آثار الفوضى في ليبيا تمتد إلى استيراد الغذاء
رويترز/Reuters - رئيس الوزراء الليبي علي زيدان في مكتبه بالعاصمة طرابلس يوم 30 اكتوبر تشرين الاول 3013 - رويترز
طرابلس (رويترز) - تعوق مشكلات المدفوعات والفوضى والفساد المستوردين الليبيين عن ابرام صفقات كبيرة لشراء القمح فيما يمثل انتكاسة أخرى تعاني منها البلاد التي خرجت فيها الأمور عن نطاق السيطرة بعد عامين من سقوط الزعيم الراحل معمر القذافي على إيدي مقاتلين وغارات حلف شمال الأطلسي.
وفي أحدث مثال على هذه المشكلات تقول مطاحن طرابلس أكبر مستورد للقمح إنها قد تضطر إلى تأجيل صفقتها الكبيرة القادمة من القمح ما لم تبدأ الدولة سداد نحو 100 مليون دولار تدين بها للشركة عن واردات سابقة.
ولشهور عطل أعضاء الميليشيات الليبية صادرات النفط المصدر الرئيسي لايرادات دولة تطعم سكانها البالغ عددهم ستة ملايين نسمة خبزا مدعما يباع مقابل سنتين للرغيف.
وليس هناك مؤشرات على نقص الغذاء بل على العكس تماما لا يزال الخبز متوفرا ورخيصا. لكن تجار الحبوب في السوق العالمية يقولون إن كبار المشترين الليبيين يواجهون صعوبات الآن في ابرام الصفقات. ويخشى المصدرون في الخارج من عدم سداد مستحقاتهم في الموعد المتفق عليه ومن مخاطر اضافية نتيجة تفريغ الشحنات في موانيء تسودها الفوضى بسبب الميليشيات المسلحة.
وقال مصطفى عبد المجيد ادريس رئيس مطاحن طرابلس التي تشتري القمح من الأسواق العالمية وتبيع الدقيق (الطحين) وأغذية مصنعة أخرى للدولة لتبيعها عبر نظام الدعم إن الحكومة تدين للمؤسسة بنحو 96.7 مليون دولار.
وأضاف لرويترز "إذا لم نحصل على أموالنا في غضون أسبوعين لن تتوفر لنا الأموال المطلوبة لفتح خطابات اعتماد جديدة وابرام صفقات شراء أخرى."
وقال ادريس إنه بدون أن تحصل على مستحقاتها من الدولة قد تضطر المؤسسة التي كانت مملوكة للحكومة في السابق إلى تأجيل طلبية لشراء 50 ألف طن من القمح للمساعدة في تلبية احتياجات العاصمة لمدة ثلاثة أشهر.
وتؤكد الحكومة الليبية أن البلاد لن تواجه أي متاعب في تمويل وارداتها وصرح وزير الاقتصاد مصطفى أبو فناس لرويترز بان ليبيا ستسوي أي مشكلات في العطاءات تواجه مستوردي القطاع الخاص.
وأضاف أن الحكومة تراقب القطاع الخاص بحيث تتمكن إذا ما وقعت أي مشكلات من تسهيل حركة التجارة عبر علاقاتها وحل بعض المشكلات التي تواجه الواردات.
لكن في بلد اختطف فيه أعضاء ميليشيا مدججون بالسلاح رئيس الوزراء الشهر الماضي فان قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها دوما محل شك.
وفي إطار نظام ابتعد كثيرا عن المركزية منذ الحرب الأهلية التي أطاحت بالقذافي لم تعد الحكومة تستورد كميات ضخمة من القمح بنفسها وبدلا من ذلك تدفع في الغالب لنحو 35 من شركات المطاحن الخاصة مقابل القيام بهذه المهمة.
وأكبر هذه الشركات هي مطاحن طرابلس التي كانت مملوكة للدولة في عهد القذافي وهي مسؤولة عن طحن نحو 40 في المئة من القمح المستورد وتمد العاصمة بالمعكرونة والسميد وعلف الحيوان وغيرها من المنتجات فضلا عن توفير الدقيق المدعم للمخابز. وهي الآن شركة خاصة.
وذكر ادريس أن الحكومة تعهدت بسداد مستحقات الشركات الخاصة من أجل استيراد كميات من القمح أكبر من المعتاد هذا العام وأنها تواجه حاليا صعوبات في الوفاء بهذه التعهدات.
وتابع أنهم فتحوا الكثير من خطابات الاعتماد لقلقهم من نقص الغذاء لكن الدولة أصبحت مضطرة الآن إلى سداد ما تعاقدت عليه وتواجه صعوبات في حل المشكلة.
وذكر أن الزيادة في أعداد المناقصات المتعاقد عليها ستدفع الحكومة إلى انفاق نحو 1.5 مليار دينار ليبي (1.21 مليار دولار) على دعم الخبز هذا العام وهو ما يزيد 500 مليون دينار عن المدفوعات المعتادة.
وتقول مصادر أجنبية في قطاعي التجارة والشحن إن بعض المصدرين أصبحوا أكثر إحجاما عن التعامل مع ليبيا. وانخفضت أحجام الشحنات المتجهة إلى ليبيا في الشهور الأخيرة.
وقال مصدر تجاري مقره الشرق الأوسط "المناخ العام هناك تسوده الفوضى. نلاحظ حذرا أكبر من جانب شركات التجارة الدولية في المشاركة في صفقات السلع الأولية."
وأردف "هناك أيضا مسائل تتعلق بالمدفوعات كما أن فتح خطابات اعتماد يستغرق وقتا طويلا. هناك أيضا المخاطر المتعلقة بالبلاد ومخاطر التأخر في التفريغ وغرامات التأخير" وهي الغرامات التي يدفعها تجار الشحن في حال تأخر تفريغ الشحنات بصورة غير متوقعة.
ومنذ الاطاحة بالقذافي في انتفاضة "الربيع العربي" الوحيدة التي تدخل فيها الغرب عسكريا فشلت الحكومة المركزية الليبية في احتواء الميليشيات أو تحقيق الأمن في البلاد.
وعلى عكس الدول العربية الأفقر التي شهدت ثورات عام 2011 ضمنت الثروة النفطية لليبيا أن توفر لمعظم مواطنيها قدرا معقولا من الحياة الكريمة. لكنها أدت ايضا إلى اعتماد السكان على الدولة في توفير الغذاء والوظائف.
وتدهورت الأوضاع هذا الصيف حينما تمكنت الميليشيات من تعطيل معظم صادرات النفط في الموانيء لتوقف المصدر الرئيسي لايرادات الحكومة.
وبينما كون البنك المركزي احتياطات ضخمة من مبيعات النفط قال رئيس الوزراء علي زيدان الشهر الماضي إن المعارضة في البرلمان تتعمد عرقلة مدفوعات الميزانية في محاولة لاسقاط الحكومة.
وذكر تاجر أوروبي أنه يعتقد أن ليبيا لا تزال تمتلك ما يكفي من الأموال لسداد الواردات الغذائية لكن الفساد والارتباك يجعلان من المستحيل ابرام صفقات كبيرة.
وقال "أعتقد أن المشكلات تتعلق بحالة الفوضى في الحكومة وتفشي الفساد الأمر الذي يتسبب بدوره في نقص الأموال. أظن أن الأموال متوفرة لكن الحكومة تعمل بصعوبة في بعض المناطق ولا تستطيع سداد المدفوعات.
"نقص الاشراف وعدم اليقين يعني أن الفساد تحول إلى وباء. محاولة القيام بأنشطة تجارية مع الحكومة أصبحت كابوسا."
وقال تاجر أوروبي آخر إن الوضع على ما يبدو أصعب في غرب ليبيا قرب العاصمة طرابلس مقارنة بالشرق حيث نجحت شركة المطاحن الرئيسية في مدينة بنغازي في شراء 50 ألف طن من القمح الأسبوع الماضي.
وتابع "في رأيي تعاني الأجهزة في طرابلس من حالة جمود تقريبا. اشترت شركة بنغازي بالفعل 50 ألف طن من القمح لكن بطبيعة الحال هناك مخاوف بشأن ما إذا كانت ستحصل على مستحقاتها. أتوقع أن تحصل عليها."
وفي نهاية المطاف قد تضطر الحكومة إلى وقف برنامج الدعم الضخم الذي يقدم الخبز بثمن زهيد وتعتقد السلطات أن 40 في المئة من الخبز المدعم تهدر ببساطة.
ويبلغ ثمن 40 رغيفا من الخبز ثمن علبة واحدة من الكوكاكولا. ويطعم الليبيون أحيانا الخبز لحيواناتهم وينتهي الأمر بالكثير منه إلى سلة المهملات.
وقال ليبي يدعى مسعود يدير مخبزا مزدحما في طرابلس "لا يشتري أقل من عشرة أرغفة سوى قلة من الناس." وكان يتحدث بينما يحشر أحد الزبائن 50 رغيفا من خبز الباجيت في صندوق.
واستوردت ليبيا 1.8 مليون طن من القمح العام الماضي أو ستة كيلوجرامات لكل شخص أسبوعيا. وتتوقع بيانات مجلس الحبوب العالمي أن تتراجع الواردات قليلا إلى 1.7 مليون طن هذا العام.
وبسبب الفساد والتهريب ينتقل بعض من القمح المدعوم إلى البلدان المجاورة ليباع بأسعار السوق.
وفي بلد صحراوي تقتصر فيه الأراضي الزراعية الخصبة على منطقة صغيرة تطل على الساحل لا يمثل الانتاج المحلي شيئا يذكر.
وقال رئيس هيئة انتاج القمح إن من المتوقع أن يبلغ الانتاج 100 ألف طن فقط هذا العام انخفاضا من 260 ألف في 2010 وهو ما يعود في الأساس إلى انقطاع الكهرباء والاضرار التي لحقت بالالات الزراعية خلال الحرب في 2011.
(الدولار=1.2440 دينار ليبي)
المصدر منتديات القوميون الجدد