الأمن نعمة يمنها الله على من يشاء من عباده.. قال تعالى:
{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف}
(قريش: 4) ، فذكرها الله كمنة منه ونعمة سبحانه وتعالى على أهل مكة، والخوف غريزة وضعها الله في نفس كل بشر لتحميه وتقيه، مثلها مثل باقي الغرائز، فالخوف سلاح ذو حدين، لو ظل في معدله وصورته الطبيعية؛ سيؤدي إلى حفظ الفرد وحمايته من العديد من المخاطر، أما إذا زاد عن حده وتحول إلى (خوف مرضي) سيتحول إلى عقبة كئود، ومانع يعوق حريته مما يؤدي لنقص قدراته على مواجهة الحياة.
وقد كان العلماء يعتقدون أن الطفل يولد مزودًا بغريزة الخوف، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الخوف عند الطفل لا يبدأ قبل الشهر السادس، وترتفع وتيرته إلى تبدأ في الخفوت بعد سن السادسة وهي بداية مرحلة النضوج العقلي للطفل، وقد أكدت الدراسات أن 90% من الأطفال قبل سن السادسة لديهم مخاوف من أشياء ومصادر متعددة.
أسباب الخوف:
للخوف أسباب تختلف باختلاف الأفراد، ومن الأهمية التعرف على سبب الخوف لعلاجه، وهناك أسباب عامة يمكن أن نجملها في الآتي:
1- قد يكون ناتجا إما عن التدليل الزائد أو النقد الكثير أو القسوة المفرطة، فالنقد الزائد للطفل يولد شعورا قويًّا لديه بالخوف من الوقوع في الخطأ، مما يؤدي في النهاية لفقد الطفل لثقته في نفسه. والتدليل يجعله واهن العزيمة غير قادر على تحمل مشاق الحياة، مما يشعره بالخوف من كل تجربة أو خبرة جديدة يمر بها، فالأمر يحتاج إلى توازن بين الإفراط والتفريط (التدليل والقسوة).
2- الصراعات الأسرية، فجو المشاحنات المستمرة تولد خوف لدي الأطفال من المستقبل.
3- التأثير على الآخرين، فقد يستخدم الطفل ذلك الخوف للسيطرة على الوالدين وجذب الانتباه له، وهذه الطريقة تعزز بشكل مباشر وجود المخاوف لدى الطفل، فيصبح الخوف تجربة مريحة ومؤلمة في آن واحد.
4- الضعف الجسمي أو النفسي للطفل، فالضعف الجسمي أو النفسي يقلل الدفاعات السيكولوجية للطفل، مما يكون لديه مخاوف من الاحتكاك بالناس أو المواقف المختلفة.
5- تخويف الطفل: فالطفل في المراحل العمرية المبكرة يعتمد تفكيره على الخيال الخصب، والبعد عن الواقع، لذا فهو يخضع في تفكيره للعوامل الخارجية أكثر من اعتماده على المنطق والعقل والتدبر في الأمور.
6- رد فعل الوالدين المبالغ فيه، فالارتباك والهلع التي تصيب الأمهات عند تعرض الطفل لأي معاناة، تعزز ذلك السلوك لدى الطفل.
أنواع خاصة من الخوف وكيفية التغلب عليها:
1- الخوف من الظلام:
وهو خوف طبيعي يعتري الصغار والكبار، فالعقل البشري لا يستطيع التعامل مع المجهول، والظلام يجعل ما حولنا مجهولا، وخوف الطفل من الظلام هو إحدى علامات عدم الفهم الكامل لأي ظاهرة يتعرض لها الإنسان، فالطفل بعقليته المحدودة لا يستطيع أن يدرك أن الأشياء موجودة حتى وإن لم يرها لأن الأشياء ثابتة ولا تتحرك بمفردها، فهو لا يعي أن الظلام يغطي الأشياء التي من حولنا وأنها مازالت موجودة ولكننا لا نراها. ونتيجة لتلك الحالة من عدم الإدراك، والخيال الخصب الذي يتمتع به الطفل، يرى خيالات وأشباحا تثير في نفسه المخاوف.
تقول الدكتورة (جين بيرمان)- المتخصصة في العلاج الأسري ببفرلي هيلز في ولاية كاليفورنيا- (عند الحديث عن الخوف من الأماكن المظلمة، فإن التلفزيون من أسوأ المتسببين بهذه المشكلة لدى الأطفال. والوالدان لا يدركان كم يتأثر الأطفال بما يُعرض على شاشات التلفزيون. وصورة ومناظر الأشياء المخيفة، والأصوات المصاحبة لها خلال العرض التلفزيوني للقصص الخرافية أو الواقعية المخيفة، كلاهما يعملان كعوامل إثارة وتنشيط الخوف والشعور به كحقيقة واقعية يعيشها دماغ الطفل وتفكيره).
ولكن مع كبر الطفل وزيادة نموه العقلي تقل تلك المخاوف حتى تختفي في السنوات المتقدمة من الطفولة، وكذلك مع تفسيرنا وتواجدنا بجوار الطفل لتهدئته وطمأنته تقل المخاوف نحو الظلام.
2- الخوف من الحيوانات:
هو نوع من الخوف يعاني منه الكثير من الأطفال من سن 2- 4 سنوات، وليس من الضروري أن يكون الطفل قد تعرض لحادثة معينة مع الحيوانات التي يرهبها، أو أنه قد رأى أحدا قد ناله أذى من تلك الحيوانات، ولكن هي مرحلة يمر بها الطفل نتيجة لقلة خبراته وخوفه من كل جديد غير مألوف بالنسبة له، وسرعان ما تتبدد تلك المخاوف مع نضج الطفل، والتدرج معه لمخالطة الحيوانات التي يهابها. فمثلا الطفل الذي يخاف من القطة، يمكن لنا تعريضه لها بالتدريج، مع بيان كيف حض الرسول صلى الله عليه وسلم على الرفق والتعامل باللين مع تلك المخلوقات.
3- الخوف من الموت:
الخوف من الموت شيء طبيعي حتى لو وُجد لدى الكبار، ففهم الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة لحقيقة الموت وتصوره في مثل تلك المرحلة قد لا يكون صحيحا أو مكتملا بصورة كبيرة، ويبدأ اكتمال مفهومه نحو الموت في سنوات عمره المتقدمة، فطفل العاشرة غالبًا ما يستطيع فهم الموت كظاهرة.
وقد يكون ذلك الخوف ناتجا عن مروره بخبرات غير سارة حول طبيعة الموت، وهي عادة المواقف التي تصاحب حالات الموت في أسرنا من البكاء والصراخ والنواح والحزن، أو قد يكون قد فقد شخصا كان يحبه كثيرا .
علاج الخوف:
أولا: يجب على الوالدين أن يكونا مثالا للهدوء والاستقرار في تصرفاتهما أمام طفلهما الخائف، فيمارسا حياتهما بصورة طبيعية، بحيث يكون الجو الأسري المحيط بالطفل باعثا على الطمأنينة والأمان، وحتى في وقت شعوره بالخوف يهدئاه ويتكلما معه بهدوء وثقة، ولا يعنفاه. فيسألاه.. لماذا أنت خائف؟ أنا أريد مساعدتك.. أنا بجوارك.
ثانيًا: تقليل الحساسية نحو مصدر الخوف، والقاعدة العامة هي أن الأطفال تقل حساسيتهم من الخوف عندما يتم إقران موضوع الخوف أو الفكرة المثيرة له بأي شيء سار، فمثلا لو وضعنا شيئا يحبه الطفل في حجرة شبه مظلمة (كالشيكولاتة) ، ونقول له اذهب واحصل على تلك القطعة من الشيكولاتة بداخل الحجرة... وهكذا.
ثالثًا: محاولة مناقشة حقيقة الموت مع الطفل بصورة عقلانية وتوضيح ما يحدث بدقة.. أي أن يحاولا أن يفهما الطفل بصورة مبسطة يستوعبها عقله (حقيقة الموت) ، وكيف أن الله قد خلقه ليبتلي عباده، وأن من يموت يذهب إلى الجنة ليتنعم فيها، مع عدم ذكر النار وما فيها من أهوال فهذا وقت للترغيب لا للترهيب، ، مع إقران كل ذلك باستخدام الطفل لخياله الخصب في تخيله العيش في الجنة وما فيها من نعيم.
رابعا: محاولة تقديم نماذج جيدة في التعامل مع المخاوف التي تثير شعور الخوف لدى الطفل. فالأب الذي يخاف من الفأر مثلا، ليحاول أن يكتم تلك المخاوف أمام طفله ولا يظهرها أمامه.
خامسًا: فليحاول الوالدين تقليل نسبة الخوف لدى الطفل بأتباع (إستراتيجيات للتعايش) ، ففي حالة خوف الطفل من الظلام.. يحاول الأب الجلوس مع الطفل، ثم يخفض النور قليلًا، ويشعره بأنه معه في أمان، أو ينام الأب مع الطفل في حجرته والباب مفتوح ثم يغلق الباب كل يوم بشكل أكبر من اليوم الذي قبله.. وهكذا حتى يتعود على الظلام ولا يخافه.
سادسًا: ليحاول الوالدين أن يكسبا طفلهما الثقة في نفسه، ويمكن ذلك عن طريق أن يقرأ آيات قرآنية مثل الفاتحة والمعوذتين لكي يتخلص من خوفه، أو إعداد شريط قرآن يحتوي مثلا على (سورة الفاتحة، وسورة البقرة، والمعوذتين) وتشغيله أثناء نوم الطفل، لكي يشعر بالأمان وبأن الله معه، وهذا يساعد في حفظ الطفل لتلك السور في المستقبل أيضا.
سابعًا: حاولا التحدث مع طفلكما، وأن تفهماه بأن الخوف طبيعي ولكن يجب ألا يسيطر على الفرد فيجعله يلغي عقله.
ثامنًا: ليحذر الوالدان من الاستهزاء أو التقليل من حالة الخوف التي يتعرض لها ابنهما، فبذلك سنجعله يخفي مخاوفه مستقبلا، مما قد يؤدي لتفاقم الأمر من الناحية النفسية.
تاسعًا: لا نحاول إجبار الطفل على عمل شيء لا يريده كالجلوس بمفرده في الظلام، فقد يصيبه هذا بنوبات ذعر تؤدي لزيادة الخوف لا تقليله
عاشرًا: لنرَبي أطفالنا على الشجاعة ولا نخجل من مخاوف أطفالنا.
ومن المهم تعليم الطفل، عن طريق الكلام والأفعال، أن القلق والخوف مشاعر طبيعية. وتحفيز الطفل وتشجيعه على مواجهة مخاوفه، وذلك بتخصيص جوائز وحوافز عينية ومادية له.
وختامًا يجب ألا يشعر الطفل بأن والديه قد يئسا من تكرار مظاهر الخوف لديه، وأنهما غاضبان من تصرفاته تلك، بل يجب أن يعملا على غرس مشاعر الأمن في نفسه؛ بتعاطفهما معه وإظهار ذلك في تصرفاتهما.
وأذكر الوالدين بأن الأمان إن لم يجده الطفل داخل الأسرة، فلن يجده في أي مكان آخر.
وتقبلوا تحياتي