الصراع الاخوانى الخليجى
الكاتب الصحفى الفلسطينى .... حمادة فراعنه |
|
|
| |
ما الذي دفع بلدان الخليج العربي المحافظة الثرية، لأن تكون بهذا السخاء في التعامل مع الدولة المصرية، وتقدم لها المليارات، كي تقف على رجليها وتتخطى أزمتها المالية والاقتصادية الخانقة، إلى الحد الذي استغنت فيه، القاهرة، ومن خلال الدعم الخليجي، عن قرض مشروط يبلغ أربعة مليارات دولار من البنك الدولي؟. قروض البنك والصندوق الدوليين لبلدان العالم النامي، لم تكن، ولن تكون، بلا شروط سياسية، ومضامين سياسية، مغلفة بعناوين اقتصادية، ولكنها مقيدة، تستهدف تحقيق أهداف سياسية، تجعل البلدان الممنوحة، أسيرة لخيارات اقتصادية سياسية مكبلة، غير قادرة على التحرر، وغير مستقلة في أغلب الأحيان، وحينما ندقق في البلدان العربية بدءاً من موريتانيا مروراً بالمغرب وتونس ومصر وجيبوتي والأردن وفلسطين ولبنان واليمن، التي تحتاج للمساعدات والمنح والقروض، نجدها غير قادرة على الأغلب في اتخاذ سياسات أو مواقف تعكس مصالحها الوطنية ونجدها أسيرة لمواقف مفروضة عليها غير قادرة على رفضها، لندقق في تجربة فلسطين مثلاً حيث نجد عدم القدرة في رفض المفاوضات، مع استمرار الاستيطان، فإحدى العوامل الضاغطة على مطبخ صنع القرار الفلسطيني حاجته للمال لتغطية احتياجات السلطة وتأمين الرواتب، ما دفعه للتنازل عن أحد شروطه في قبول المفاوضات بدون تحقيق شرطه المعلن في وقف الاستيطان، وذلك يعود إلى حاجته الماسة إلى المال كي يحافظ على بقائه ومشروعه. بلدان الخليج العربي لم تتردد في تقديم المعونة السريعة للقيادة المصرية المناوئة لحركة الإخوان المسلمين بعد ثورة 30 يونيو حزيران 2013، وهذا يعود إلى حالة الخصومة والتنافس ما بين النظام العربي المحافظ بقيادته الخليجية من طرف، وحركة الإخوان المسلمين من طرف آخر، بعد أن كانت حليفا أساسيا للنظام الخليجي في عهد الحرب الباردة وفي مواجهة عبد الناصر وأنظمة التيار القومي في العراق وسورية وليبيا واليمن الجنوبي، وكانت حصيلتها انتصار التحالف الأميركي الخليجي مع الإخوان المسلمين، وهزيمة التيار اليساري والشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفياتي وإخفاق أنظمة التيار القومي، الحليف لليسار. حركة الإخوان المسلمين التي كانت حليفا للأميركيين ولأصدقائهم وشركائهم في العالم العربي وفي طليعتها العربية السعودية، طوال الحرب الباردة 1950 – 1990، باتت اليوم الحركة السياسية الأقوى في العالم العربي بسبب تحالفها مع الأميركيين، ومع النظام العربي المحافظ، ونقلت مركز قرارها من الرياض التي كانت حاضنة لها طوال الحرب الباردة، إلى الدوحة التي تشكل اليوم عنواناً داعماً علنياً لحركة الإخوان المسلمين. ولهذا، تشكل حركة الإخوان المسلمين اليوم البديل السياسي والنظري والعملي والواقعي للنظام العربي المحافظ، لعدة أسباب منها : أولاً : اعتماداً على تعاملها وتحالفها مع واشنطن طوال الحرب الباردة في مواجهة خصم واحد، آنذاك، لديها رصيد من الخبرة للتفاهم مع الأميركيين في ظل الربيع العربي، وفي مواجهة خصوم مشتركين هم تنظيم القاعدة الثوري المتطرف، وولاية الفقيه الإيرانية، وكلاهما يقع في خانة العداء للأميركيين، وفي خانة الخصومة مع حركة الإخوان المسلمين، ما يستوجب التفاهم الأميركي مع الإخوان المسلمين ضد عدو مشترك، وهو سلاح يفقد الأنظمة العربية المحافظة قوة تحالفها مع الأميركيين ويجعل من الإخوان المسلمين منافسا قويا للنظام العربي المحافظ في تعاونه مع الأميركيين، والتحالف معهم، رغم المحاولات الأميركية لخلق التفاهم الخليجي الإخواني. ثانياً: ينتمي النظام العربي المحافظ للتيار السياسي الأصولي الإسلامي السني، وهو نفس التيار والمرجعية الفكرية لحركة الإخوان المسلمين، وبذلك يفقد النظام العربي المحافظ ثاني أكبر مبرر لتفرده، باعتباره ممثلاً للإسلام، دين الأغلبية العربية الساحقة، ومبرر وجوده واستمرار قوته هو تمسكه بالإسلام والشرع، ولكنه لا يستطيع الادعاء بذلك أمام حركة الإخوان المسلمين الأكثر تماسكاً وشرعية أصولية، مع تفوقها ورغبتها في الاقتراب من مفاهيم العصر، كالانتخابات والدولة المدنية والتفاهم مع الغرب، وقبول كامب ديفيد والاتفاقات الدولية علناً. لهذا فالإخوان المسلمون منافس قوي للنظام العربي المحافظ، من نفس الموقع العقائدي الأصولي المحافظ، الرافض للتطرف الديني الذي يمثله تنظيم القاعدة الثوري المجاهد، والرافض للتطرف السياسي الذي تمثله إيران وسياسات ولاية الفقيه الإيرانية، ولذلك تشكل حركة الإخوان المسلمين مساساً بمكانة النظام العربي المحافظ، وتفرده ومنافسة له، ومقوضة لقوته المعنوية والسياسية والفكرية، أمام الجمهور العربي الإسلامي الواسع، وأمام الأميركيين والغرب عامة. النظام العربي يملك ثلاثة عوامل هي 1- خلفيته الفكرية المحافظة، و 2- تحالفه مع الأميركيين، و 3- أجهزته الأمنية، بينما يملك الإخوان المسلمون مقابل ذلك 1- خلفية أصولية مماثلة، و 2- تحالف مماثل مع واشنطن، و 3- رصيد جماهيري قوي تم اختباره عبر صناديق الاقتراع في فلسطين والأردن ومصر وتونس والمغرب والكويت واليمن، وبالتالي فهو أكثر مصداقية وشرعية من النظام العربي برمته، ولهذا فالصراع بينهما يدور اليوم اعتماداً على قوة العامل الثالث لكل منهما، والتصادم بينهما، بين الجمهور من طرف والأجهزة الأمنية من طرف آخر.
|