في تونس لاجئون سوريون. كيف وصلوا إلى هنا؟ إنه السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهنك حين تراهم يتجولون في الأسواق أو تلفتك لهجتهم يتجادلون مع الباعة او يتناهى إلى سمعك ان بعضهم يتسول على أبواب الجوامع. المفارقة، أن التونسيين أنفسهم متفاجؤن بوصول السوريين إلى ديارهم بسبب بُعد المسافة الجغرافية التي تفصل بين البلدين.
من التظاهرات التي قام بها تونسيون لوقف الحرب والمؤامرة على سوريا (عن الانترنت)
من التظاهرات التي قام بها تونسيون لوقف الحرب والمؤامرة على سوريا (عن الانترنت)
معظمهم لا يعرف كيف جاؤوا إليهم ويعيد الأسباب إما الى فرار من كان يقيم منهم في ليبيا مع بدء الحرب هناك في مراحلها المختلفة ، وإما إلى الدخول خلسة من الجزائر طمعا في الذهاب الى أوروبا عبر البحار. ولكن هناك أيضا فئة ثالثة، لا يبدو أن العامة من التونسيين مطلعة على إشكالية وجودهم على ترابها وهو التعبير الذي يُستخدم في تونس للدلالة على أرض الوطن. هؤلاء مقيمون في تونس. لهم بيوت وأعمال وأرزاق وحياة إجتماعية. ولكنهم إستيقظوا ذات صباح وإكتشفوا ان إقامتهم أصبحت غير شرعية وفقا لأحكام القوانين المرعية الإجراء وليس لأن ثمة من لا يرغب في وجودهم في البلاد.
بدأت المعاناة مع إعلان الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في شهر شباط/ فبراير 2012 قرار طرد السفير السوري من تونس وسحب أي إعتراف بالنظام الحاكم في دمشق "مع تزايد سقوط قتلى في سوريا على يد القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد" كما جاء في البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية في حينها. انقطعت العلاقة بين البلدين. أغلقت السفارات. وعلق السوريون المقيمون في تونس بعدما فقدوا الجهة الرسمية الراعية لشؤونهم هناك."قرر المرزوقي ان يتضامن مع الأرواح التي تُزهق في سوريا ولم يفكر في مساعدة الأحياء الذين أصبحوا سجناء داخل وطنه". بهذه العبارة يختصر شاب في الثانية والعشرين من عمره لـ "موقع الميادين" الأزمة التي أحدثها قرار قطع العلاقات بين البلدين. إنتهت مدة جواز سفر علاء الخطيب الذي يقيم في تونس مع عائلته منذ ما يزيد على عقد من الزمن. وبعد اشهر قليلة إنتهت صلاحية الإقامة التي تجدد كل سنة او سنتين وفق خصوصية كل حالة. لا إمكانية لتجديد الإقامة في ظل جواز منتهي الصلاحية ولا وسيلة لتجديد الجواز في ظل غياب السفارة. والنتيجة، ارباك وقلق وحذر في التجول من دون الخوض في عدم امكانية ايجاد وظيفة والإضطرار للعمل "في الأسود" وسواها من الأمور التي تنغص حياة هذا الشاب وسواه ممن يعانون ظروف مشابهة.
تنهي هذه الأزمة بعد أشهر قليلة عامها الثاني من دون أن يسعى أي من الأطراف المعنية الى وضعها على سكة الحل، مما ينعكس سلبا على أحوال المقيمين ويزيدها تعقيدا. أيمن مثلا مقيم في تونس حيث قرر أن يتزوج ويؤسس عائلة. كان له ما أراد. غير أن حظه العاثر شاء ان تلد زوجته طفلهما الأول في زمن قطع العلاقات بين البلدين. والنتيجة أن إبنه لا يملك أي أوراق ثبوتية وإذا استمر الوضع على حاله، فهو لن يستطيع أن يدخله الى المدرسة. حال عامر ليس أفضل، وان كانت مشكلته من نوع آخر. إذ أنه لم يلتق بأهله الذين لا يزالون في سوريا منذ نحو عامين. لا يمكنه ان يزورهم لأن جوازه منتهي الصلاحية وليس بإمكانه أن يدعوهم لزيارته أو أن يلم شملهم كما يطمح لأن إقامته في تونس باتت غير شرعية بحكم القانون. تكر سبحة الحالات المماثلة. وتحمل كل قصة في طياتها تفصيلا جديدا يكشف عمق الأزمة وخطورة تداعياتها على أفراد الجالية السورية. إذ أن الإقامة "غير الشرعية" تكلف أصحابها دفع غرامة تبلغ 80 دينارا عن كل شهر. وثمة عائلات تكدست عليها الغرامات شهرا بعد شهر وارتفعت قائمة المديونية المتوجبة عليها للدولة التونسية وخصوصا ان الجزاء يطال كل فرد في العائلة لم يجدد إقامته. ورغم أن الدولة التونسية تغض الطرف ولا تلاحق من أصبح وضعهم غير قانوني في البلاد، فإن الأمر لا يخلو من بعض المضايقات اذا وقع احدهم في يد الشرطة التي تتحكم المزاجية أحيانا في تعاطيها مع "المخالف". هذا ما أكده سامر حافظ مشيرا الى معاناة اخرى يواجهها السوريون تتعلق بالروتين الإداري الذي يتمثل في تجديد الإقامات لمن لا يشكون من ازمة انتهاء صلاحيات جواز سفرهم. ويشرح سامر ان تجديد الإقامة لسنة قد يستغرق أحيانا سبعة أشهر، وتحتسب الإقامة من تاريخ الاوراق، أي ما إن يستلم صاحب العلاقة أوراقه حتى يبدأ التحضير للدخول في متاهة التجديد ثانية. ليس الروتين الإداري وحده ما يعيق علاقة الجالية السورية في تونس بالدولة، بل ثمة قرارات غير واضحة تعقد امورهم اليومية بحسب فواز كنجو المقيم في البلاد منذ 15 سنة. يتحدث كنجو عن أزمة إبنه الذي كان يؤجل له سنويا، عبر سفارة بلاده، الخدمة العسكرية في سوريا. أقفلت السفارة أبوابها، لا إمكانية للتأجيل حاليا. تقدّم له بأوراق تجديد الإقامة. أُعيدت له الأوراق مع إشارة "للتريث". لم يفهم القصد منها. الآن إبنه مطلوب للخدمة العسكرية، جواز سفره منتهي الصلاحية، لا إقامة لديه. كل ما في حوزته ملف كُتب فيه "للتريث"!
يبلغ عدد السوريين الذين تحولت إقامتهم في البلاد بين ليلة وضحاها إلى وجود غير شرعي نحو 400 شخص وفق إحصاءات جمعية الجالية السورية في تونس التي تشكلت قبل ستة أشهر برئاسة طلال حسن. يقيم هؤلاء في العاصمة ويعمل معظمهم في التجارة والأعمال الحرة التي تضررت بشكل كبير بسبب أزمة الإقامة المستجدة. لا ينفي رئيس الجمعية أنهم أضطروا إلى إرسال جوازات سفرهم سرا عن طريق مسافرين الى سوريا لتجديدها. وقد كلفهم الأمر دفع رشاوى في دائرة الهجرة في وطنهم الأم بلغت الألف دولار مقابل الجواز الواحد. ليس في اليد حيلة، يقول طلال حسن، مشيرا الى ان الأزمة طالت ولا احد يلتفت إلينا، ما اضطرنا الى ان نتدبر امورنا بالتي هي احسن. ولكن ليس لكل الناس القدرة على الحلول المكلفة. عدا عن أن هذه القضية تحتاج إلى حل جذري وليس الى ترقيع من هنا وهناك. لذا، تشكلت هذه الجمعية بهدف توحيد الجهود وحصر المطالبة بإيجاد الحلول المناسبة بجهة واحدة تمثل كل المتضررين من تداعيات هذه الأزمة، وفق ما أكد الكاتب العام في الجمعية شوقي راجح، لافتا إلى ان هناك مسعى لأن تتولى سفارتنا في الجزائر تسيير امور الجالية السورية في تونس.
لاجئون عبر الحدود
في المقلب الآخر من البلاد، وتحديدا على الحدود الليبية – التونسية وتلك الجزائرية – التونسية نوع أخر من المأساة. انها معاناة اللاجئ الذي لا مأوى له ولا مأكل ولا ملبس. هؤلاء ايضا لا أحد يهتم لأمرهم ويسأل عن أحوالهم. ولكن حتى في المعاناة مستويات وتمايز يتراوح بين السيء والأسوأ. الوضع الأسوأ هو الذي يعاني منهم السوريون الهاربون من ليبيا بعد تجدد المعارك فيها. هؤلاء عالقون بين حدود البلدين. خرجوا من ليبيا ولم ينجحوا في الدخول الى تونس ومنعوا من العودة إلى ليببا. يقيمون بين الحدودين، كما يروي لنا طلال حسن مشيرا الى ان التواصل مع هذه الفئة من اللاجئين السوريين صعبة جدا، لا بل مستحيلة. اما السيء، فيصح في وصف حالة اولئك الذين دخلوا إلى تونس عبر الحدود الجزائرية. تنقسم هذه الفئة وفق جمعية الجالية السورية في تونس إلى نوعين: هناك الغجر الذي حصلوا على الجنسية السورية قبل بضعة أعوام.غادرهؤلاء الجزائر بتشجيع وتسهيل من السلطات الجزائرية التي ضاقت بهم ذرعا وخصوصا ان معظمهم يعتاشون من التوسل الذي حولوه مهنة. لم يأتوا الى تونس لا هربا من قصف ولا بحثا عن مكان آمن، بل طلبا لمكان جديد تنطلي على أبنائه حيلة عوزهم. يُسيء هولاء الذين يتسولون بإسم السوريين، وفق ما تؤكد الجمعية، الى صورة اللاجئ السوري الذي تحول بنظربعض التونسيين الى مجرد متسول، في حين ان الواقع ليس كذلك. الفئة الثانية تشمل الذين جاؤوا الى الجزائر ودخلوا الى تونس خلسة بعدما أقنعتهم مافيات التهريب ان بإمكانها تأمين إنتقالهم الى اي من الدول الأوروبية. منهم من أسعفه الحظ ووصل الى أوروبا كما حلم وخطط، ومنهم من إبتلعه البحر وعاد ليدفن في مقبرة جماعية في ولاية بن قردان التونسية على الحدود مع ليبيا. ولا تزال الحكومة التونسية ترفض إجراء فحوصات الحمض النووي للتأكد من هوية الأشخاص الذي دفنوا هناك، ويقدر عددهم بنحو أربعين، بحجة عدم وجود مرجعية تطالب بهم وفق ما اكدت الجمعية لـ"موقع الميادين". ومن لم ينجُ بجلده ويصل الى مقصده على الضفة الثانية او لم يمت غرقا في البحر، فهو لا يزال عالقا في تونس. تنطبق على هؤلاء مواصفات اللاجئ بكل معنى الكلمة وخصوصا اولئك الذين اوقفوا على الحدود وصوردت الأموال التي كانت بحوزتهم وسُمح لهم الدخول الى البلاد لتسوية أوضاعهم. ويعتبر هؤلاء أفضل حال ممن يقعون في قبضة الجمارك، اذ انهم يصبجون متهمين بالدخول خلسة الى البلاد وتهريب العملة، وعقوبة هاتين التهمتين التوقيف 90 يوما ودفع ثلاثة اضعاف المبلغ المُصادر الذي كان بحوزتهم ومن ثم يجري ترحيلهم.
وحين نسأل عن مفوضية اللاجئين ودورها في هذا الاطار، يأتس الجواب مخزيا. اذ يقتصر دور المفوضية على منح المواطن السوري صفة لاجئ تسهل تنقله في البلاد، وتدفع 150 دينارا سنويا لكل طفل سوري، وفق ما اكدته الجمعية.
داخل حدود تونس وبين حدودها مع ليبيا علق السوريون المقيمون في هذين البلدين بعدما نستهم او تناستهم جميع السلطات المعنية بحل قضيتهم بدءا من سوريا مرورا بليبيا وصولا الى تونس.
المصدر: الميادين نت