هل تستحق حضارة ما بين النهرين ما جرى لها فى المتحف العراقى ؟!!
--------------------------------------------------------الموضوع نقلا" عن الدكتور اكرم محمد عبد كسار
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
كان العراق وعلى مدى تاريخه معطاءاً ومنبعاً لا ينضب، فحضارته في العالم القديم منبعاً للحضارة الإنسانية بشقيها وذلك بعطاءاتها المادية وبقيمها الروحية والنظريات العلمية والمبادئ الأخلاقية والنظم والقوانين، وقد شكل مركز إشعاع حضاري ونقطة التقاء، وله الفضل الكبير على الإنسانية باعتباره المعلم الأول لكثير من الأمم والشعوب، لذلك كتب حول آثاره التي تم الكشف عنها الكثير من المؤلفات والأبحاث وفي معظم اللغات الحية، والتي تشير إلى التدفق المستمر للمعلومات وذلك نابع من حيويته وغزارة المعلومات المتوفرة عنه والتي جاءت ترجمة صادقة للإنسان الذي استوطن هذا البلد المتسلسل الحضارات وبدون انقطاع وتشير ما عثر فيه من مخلفات أثرية إن ذلك الاستيطان بدأ في وقت مبكر ومنذ 125000 قبل الميلاد وعلى مدى تاريخه كان جاذبا للسكان بحكم كونه أرضا مفتوحة كثيرة الخيرات لذا يفسر لنا هذا التنوع السكاني الذي يعيش في عراق اليوم.
وسأذكر بعضاً لما قدمته حضارة العراق للبشرية والتي تم الكشف عنه من خلال البعثات الآثارية قامت بالتنقيب من مختلف العالم من إنكليزية وفرنسيه وألمانية وروسية ويابانية وبلجيكية وأمريكية وعراقية والقائمة تطول وما ذكرته على سبيل المثال ليس إلا لان هذه الآثار ليست ملكا للعراق أو العراقيين و إنما هي ملكاً للبشرية جمعاء. ومنها القانون ورث العراق ثروة قانونية وحضارية هائلة، وتطورت في كنفه أول قواعد القانون والتي تبين درجة تطور المجتمع في ذلك الوقت، ومن المعلوم أن الحاجة إلى القوانين والى الحرية والعدالة الاجتماعية والى احترام حقوق الإنسان والتي لا تبرز ضرورتها إلا في المجتمعات التي تبلغ مرحلة لا بأس بها من النمو الاجتماعي والسياسي، والقانون، بصورة عامة، هو انعكاس لواقع اجتماعي معين، يمثل ذلك الواقع ويعبر عنه. وتعتبر القوانين العراقية القديمة أقدم القوانين التي عرفتها البشرية، وهذا يدل على أن المجتمع العراقي كان قد قطع شوطاً بعيداً في بناء صرح الحضارة الإنسانية، وانه كان على درجة كبيرة من المدنية والتنظيم الاجتماعي، وبسبب اقتران الشرائع العراقية المدونة في العراق القديم بأنظمة الحكم المتطورة فإنها أخرجت بمستوى فني رفيع من حيث لغتها القانونية وأسلوبها العلمي وتبويب موضوعاتها، وتوافق أحكامها مع الواقع وابتعادها عن المثالية أو الشؤون الدينية، ودونت على مواد اتسمت بمقاومتها لتأثيرات العوامل الطبيعية كالرقم الطينية والحجر و أقدمها يعود الى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد والمعروف بإصلاحات اورنمكينا ويليه قانون اورنمو 2113-2095قبل الميلاد ثم قانون لبت عشتار 1934-1924قبل الميلاد ويعقبه قانون اشنونه ليتوجها جميعاً قانون حمورابي الذائع الصيت ولتظهر من بعده قوانين اشورية وبابلية حديثة، وبذلك نلاحظ أن اقدم القوانين في العالم القديم صدرت بعد القوانين العراقية القديمة بمدة لا تقل عن ألفين سنة، وأنها كانت تتسم بنضجها الفكري المتميز ودليل ذلك بقاء الكثير من الأسس والمبادئ الفقهية التي جاءت بها عاملة متحركة حية في القوانين الحديثة والمعاصرة مثل مبدأ القصاص والتعويض، ومبدأ القوة القاهرة أو مبدأ الحوادث الطارئة، ومبدأ عدم جواز التعسف في استخدام الحق الفردي، ومبدأ القصد الجنائي.
المكتبات وظهر عدد كبير من المكتبات في مدن العراق القديم مثل الوركاء ونفر وسبار ونينوى حيث عثر فيها على مكتبة الملك أشور بانيبال688-626قبل الميلاد والتي تعتبر أول مكتبة منظمة وجدت في العالم ضمت قرابة (25) ألف رقيم طيني وهي ذات مضامين مختلفة منها ما يتعلق بالأمور الدينية كالقصص والأساطير والملاحم والأدعية والتراتيل الدينية ومنها ما يخص العلوم كالطب والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك والتنجيم والتاريخ والجغرافية والبعض الآخر معاجم لغوية دونت باللغتين السومرية والبابلية، قوائم بأسماء الآلهة، وأخرى بأسماء المدن والبلدان والجبال والأنهار والطيور والنباتات وغيرها كثير.
الأدب يمثل الأدب في العراق القديم اولى مجالات الإنسان للتعبير عن الحياة وقيمها ومعانيها، وعلى الرغم من إيغاله في القدم وسبقه جميع الآداب العالمية المشهورة سواء أكان ذلك من ناحية الأساليب وطرق التعبير أم من ناحية الموضوع والمحتوى أم من ناحية الأخيلة والصور الفنية، كما خلف الكتاب والأدباء والشعراء نتاجاً غزيراً يتسم بأصالته وتنوع ضروبه بحيث انهم لم يتركوا ضرباً من ضروب الأدب إلا وطرقوه، ولأهمية مؤلفاتهم من وجهة النظر الأدبية والدينية والتاريخية فإن بعضها يعتبر بحق من أقدم المحاولات المدونة لبحث ومناقشة مسائل فلسفية أساسية كالحياة والموت، وخلق الكون والإنسان، والخير والشر والثواب والعقاب، وقد ترك تراث أدب العراق القديم بصماته الواضحة في الحضارات الأخرى فهو لا يقتصر على كونه أدباً قديماً مثل دوره في تطور الفكر البشري وانتهى، بل إنه لا يزال حياً عن طريق التأثيرات التي خلفها في أدب الحضارات الأخرى التالية ويمكن متابعة ذلك من خلال سبقه الزمني ووجود الاتصالات التاريخية وأخيراً من خلال مواطن شبه أساسية في الأحداث والأفكار والأبطال في أدب حضارة العراق القديم في أساطير الأمم القديمة وآدابها، ومن نماذجه ملحمة جلجامش التي تدور أحداثها حول اقدم محاولات الإنسان للخلود، وقصة إيتانا التي أقدم محاولات الإنسان للطيران، ونص لامتدحن رب الحكمة التي تتحدث عن صبر الإنسان، وقصة الخليقة البابلية التي تصف لنا كيف تمت عملية خلق الكون ومن ثم الإنسان، إضافة الى أدب الرحلات و أخيرا الأمثال المتداولة في المجتمع.
الرياضيات يعد علم الرياضيات النتاج الفكري المتميز بأسلوبه النظري الصرف، وهو من الإفرازات الطبيعية لجوانب التطور الاقتصادي والفكري في العراق القديم، وتمثلت استعمالاتها التطبيقية بمجالات متعددة من حفر القنوات أو توسيعها والهندسة العسكرية ونقل التربة وحساب الكميات وفي المساحة والعمارة، وبشكل عام عرفوا مجمل العمليات الحسابية والجذور التربيعية والتكعيبية واللوغاريتمات وخلفوا جداول مطولة في ذلك، وكذلك الكثير من المواضيع التي تخص المسائل المتعلقة بالهندسة المستوية والمجسمة، وإيجاد مساحات الحجوم المختلفة، إضافة الى قواعد ودساتير بدون استعمال الرموز ومعادلات بدرجات مختلفة حلت بطريقة إكمال المربع ومربع مجموع عددين ومربع الفرق بينهما وجداول مختلفة لجذور الأعداد التربيعية والجذور التكعيبية والمركبة من مجموع مكعبات الأعداد مع مربعاتها وحل القضايا الجبرية الهندسية على مبدأ تشابه المثلثات أي ما يعرف الآن خطأً بنظرية فيثاغورس، وأخيرا استعمال الرياضيات للأغراض التطبيقية والعملية كالمقاييس من أطوال وسطوح ومساحات وأحجام وأوزان وسعة.
وهناك نتاجات أخرى في مجالات المعارف والعلوم كالتاريخ والجغرافية والفلك والطب والكيمياء وكذلك في الفن وبمختلف تخصصاته والمستقر الطبيعي لها هو المتحف العراقي وتؤخذ منه نماذج ليتم عرضها في مختلف متاحف القطر بعد أن تنقل من المواقع التي تم تنقيبها ومن مختلف البعثات وجنسياتها والمواقع و عصورها وكما ذكرت سابقاً هي ملك البشرية جمعاء، فهل يعقل ما حصل لها وهي قد استقرت آمنة مطمئنة في مقامها بين جدران المتاحف ومخازن المتحف العراقي وهي توثق لمرحلة من مراحل المسيرة البشرية، وتتوارد إلى الذهن أسئلة كثيرة ومتعددة من هؤلاء الذين سرقوا المتاحف ولماذا؟ هل يعقل أن العراقيين أنفسهم هم الذين يحاولون أن يمسحوا هويتهم التاريخية أم آخرين لهم مصلحة بذلك ؟ ما هو دور المنظمات ذات الصلة بالآثار والمتاحف وكذلك المؤسسات العلمية ؟ هل أصيبوا من العرب بفيروس الشجب والاستنكار والاحتجاج والرفض والصقل والإعادة لكلمات لا تغني ولا تسمن وليس لها أي مكان في أي حيز ؟ لماذا أقيمت الدنيا ولم تقعد وحتى من قبل رجال الدين والسياسة بمختلف العالم الإسلامي على ما حصل في تدمير جزء من التراث الإنساني والمتمثلة بتماثيل بوذا ويأخذون الآن جانب الصمت والصمت المطبق؟ أليس في هذه الآثار التي انتهبت أثار إسلامية واغلبها فريدة لا تجد لها متشابه أو مثيل في أماكن ومتاحف أخرى من العالم، أو أنكم تعلمتم أن تنعقوا وراء الناعقين وأن تكونوا كالببغاوات تردد ما يشتهي صاحبها ولا حول ولا قوة لكم لا بالله ولا بأنفسكم.
إن سائق عربة الخيول المفجوع بابنه في قصة تشيخوف الشهيرة، عندما لم يجد أذناً صاغية من أحد ركابه ليروي له مأساته رواها آخر الليل لجواده، والإنسان العراقي الأصيل المفجوع بسنين طوال ضاعت من حياته هدراً لتتوج باستباحة تاريخه ونهب آثاره وسلب مكتباته العريقة وجامعاته وحرقها، لمن يروي مأساته أخر الليل.
نماذج من القطع المسروقة من المتحف العراقى
--------------
منتديات القوميون الجدد (التجمع الشعبى العربى )