دور الجيش فى الحضارة الفرعونية
إن الدارس لدور الجيش المصري منذ نشأته وطوال التاريخ المصري القديم سيدرك أن هذا الجيش كان له دور مزدوج.
أما الدور الأول فهو دوره الرئيسي باعتباره مؤسسة عسكرية، والذي يتمثل في الدفاع عن حدود البلاد وتأمينها،
والردع عند الضرورة لمن تسول له نفسه الاعتداء على أرض مصر، ثم توسيع الحدود عن استشعار الخطر من الشعوب المجاورة..
وأما الدور الثاني فهو دوره في الحياة المدنية، والذي يتمثل في المساهمة مع المدنيين في إقامة المشروعات الضرورية لتنمية البلاد.
وتحدثنا النصوص المصرية القديمة عن بعض الأوقات التي تتطلب الأمور فيها تعبئة الجيش، وتذكر الأدوار التي لعبها العسكريون المصريون
في استصلاح الأراضي، وشق الترع، وإقامة السدود، وتدعيم شواطئ نهر النيل وفروعه ليحد من أخطار الفيضان. وذلك إضافة إلى المشاركة
في بناء المساكن في القرى والمدن، وفي بناء المعابد للآلهة والملوك، وغير ذلك من من المنشآت الدينية والمدنية، بل تشير بعض المصادر
إلى دور المتعلمين منهم في المشاركة في تعليم التلاميذ في مراحل التعليم المختلفة.
ثم هناك دورهم في الزراعة، والصناعات الحرفية، والعمارة والفنون، بالإضافة إلى التجارة في داخل البلاد وخارجها..........
وكان العسكريون يتطوعون - قبل أن تستقر فكرة الجيش المنظم - في وقت السلم، ويعاملون كمدنيين يشاركون في كافة الأعمال
التي أشرت إليها وغيرها. وكان لهم كذلك دور آخر في داخل البلاد لا يقل أهمية عن دورهم في تحقيق التقدم والازدهار للبلاد،
ألا وهو تأمين البلاد من الداخل، جنبًا إلى جنب معقوات الشرطة. فقد كانوا هم حراس حدودها، وكانوا هم الذين يؤمِّنون بعثات المناجم
والمحاجر في سيناء والصحراء الشرقية والغربية والواحات، وهم الذين يساهمون إلى جانب الشرطة في تأمين حياة الملك
وأسرته وكبار رجال الدولة، بالإضافة إلى تأمين الاحتفالات والأعياد الدنيوية والدينية من حيث الإشراف والتنظيم والحماية.
كذلك كانوا هم الذين يشاركون في تأمين الملاحة في نهر النيل، وفي حماية مرافق الدولة ومنشآتها الدنيوية والدينية.........
وإذا كان لدينا في تاريخنا المعاصر جهاز للخدمة الوطنية بالقوات المسلحة للمساهمة في تنفيذ مشروعات الدولة،
فقد عرف الأجداد ذلك منذ قديم الزمان، ونجحوا في الاستفادة من العسكريين المصريين في الحرب وفي السلم.
فمن الواضح إذن أن الجيش المصري قد لعب دورًا واضحًا في تحقيق الاستقرارعلى أرض مصر،
وفي تنمية قدرات وطنه جنبًا إلى جنب مع المدنيين في خارج البلاد، فقد كان للجيش المصري دور متميز في دعم العلاقات
بين مصر وجيرانها، ناهيك عن دوره الحضاري وهو يحارب دفاعًا عن تراب بلده........
أما عن مستوى العلاقات بين مصر وجيرانها، فمنذ أقدم العصور والرحالة المصريون يخرجون خارج حدود مصر
شرقًا وغربًا وجنوبًا في محاولة للتعرف على أحوال الشعوب المجاورة، وتوثيق عرى الصداقة معهم،
واستكشاف كل ما هو جديد لديهم. فمنذ الأسرة الرابعة ونحن نسمع عن حملات برية وبحرية يبعث بها ملوك مصر
لأغراض سلمية، فالملك "سنفرو" أول ملوك الأسرة الرابعة (2613- 2589 ق.م) أرسل أسطولاً من أربعين سفينة إلى "فينيقيا"
(لبنان الحالية) لجلب خشب الأرز الذي تشتهر به جبال لبنان لصنع بوابات قصر الملك وغيرها.
وكان أمر حماية مثل هذه البعثات يُعهد به إلى العسكريين....
وفي الأسرة الخامسة، في عهد الملك "ساحورع"، خرجت بعثة مصرية في حراسة الجنود إلى بلاد "بونت"
(ربما تقع جنوب البحر الأحمر عند بوغاز "باب المندب"، وتشمل اليمن من ناحية، والصومال وإريتريا من ناحية أخرى)،
وذلك لجلب البخور الذي يستخدم بكثرة في المعابد المصرية.........
وفي الأسرة السادسة خرج بعض حكام "أسوان" متجهين إلى الجنوب نحو جيران مصر الجنوبيين
الذين يعيشون جنوب "وادي حلفا" في محاولة للتعرف على بلادهم، وكان ذلك دائمًا في حماية الجنود المصريين.
وفي الأسرة الثامنة عشرة نعرف أن الملكة الشهيرة "حاتشبسوت" قد أرسلت بعثتها إلى بلاد "بونت"، والتي كانت تتكون
من خمس سفن يقودها قائد الأسطول الذي يصحبه ضابط وثمانية جنود. وهذه هي البعثة المصورة على جدران معبد "الدير البحري" للملكة "حاتشبسوت"في البر الغربي لمدينة "الأقصر".
وعادت البعثة محملة بالبخور، وكما ذهبت إلى "بونت" في حماية الجنود، عادت إلى مصر في حمايتهم أيضًا.
ويقول النص: (عاد جنود سيد القطرين (ملك مصر) بسلام إلى وطنهم، وألقوا مراسيهم في "طيبة").
وكانت تجارة مصر الخارجية مع سوريا وفلسطين وجزر البحر المتوسط - مثل "كريت" و"قبرص"،
وغيرها - تجري في حماية الجنود المصريين، وذلك تأمينًا للتجارة، ومن ثم ضمان سلامة الاقتصاد المصري.
منتديات القوميون الجدد (التجمع الشعبى العربى )