قال العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالة وجهها إلى مؤتمر نظمته مؤسسة الفكر العربي في الصخيرات القريبة من العاصمة الرباط إن "ما يجمع الدول العربية أكثر مما يفرقها فهي موحدة بقوة التاريخ والحضارة وهي متواصلة جغرافيا ومنسجمة إنسانيا ومتكاملة طبيعيا".
وأكد في كلمته إلى المشاركين في المؤتمر أن "ما يجمع الدول العربية أكثر مما يفرقها. فهي موحدة بقوة التاريخ والحضارة. وهي متواصلة جغرافيا، ومنسجمة إنسانيا، ومتكاملة طبيعيا، بفضل ما تزخر به من موارد بشرية وطبيعية هائلة. أما الشعوب العربية فتجمعها وحدة العقيدة واللغة والثقافة، وروابط الدم والأخوة والمصير المشترك".
وأضاف العاهل المغربي "غير أن ما يبعث على الحسرة والأسف، هو واقع التجزئة والانقسام، الذي يطبع العلاقات فيما بينها. فمعظم الدول العربية تعيش على وقع خلافات بينية مزمنة، وصراعات داخلية عقيمة، فضلا عن تنامي النعرات الطائفية والتطرف والإرهاب"، لافتا إلى أن "بعض هذه الدول تهدر طاقات شعوبها في قضايا وهمية، ونزاعات مفتعلة تغذي نزوعات التفرقة والانفصال".
ولمواجهة هذا الوضع، شدد الملك محمد السادس على أن التكامل أصبح ضرورة ملحة، داعيا إلى التعاطي مع الموضوع بمنظور واقعي جدي، ملاحظا أنه و "رغم توجه الدول العربية، منذ عقود، نحو إرساء البنيات الأساسية للتكامل، كمحطة أولى على طريق الوحدة، بإبرام العديد من الاتفاقيات، والإعلان عن قرارات جريئة خلال مؤتمرات عديدة، فإن النتائج كانت مخيبة للآمال، ودون مستوى التطلعات الشعبية والرسمية". لكن الوضع الذي يعيشه العرب لا يلغي الحق في التعلق بالوحدة العربية، فهي "ليست حلما صعب المنال، أو سرابا لا فائدة من الجري وراءه، بل هي تطلع مشروع قابل للتحقيق، وضرورة إستراتيجية على الجميع المساهمة في تجسيدها"، وأن المغرب "سيظل دائما منفتحا على كل المبادرات الوحدوية"، وفق ما جاء في الرسالة الملكية.
وأشار الملك محمد السادس إلى أن "التكامل العربي لا يعني الانغلاق والانعزال عن العالم، بل ينبغي أن يشكل حافزا لتوطيد العمق الأفريقي والآسيوي للعالم العربي وتوسيع علاقاته مع مختلف القوى والتكتلات الجهوية والدولية"، وأنه "بعد أن أخلف العالم العربي مواعيد كثيرة مع التاريخ، فإن تفعيل التكامل لا ينبغي أن يظل شعارا مؤجلا إلى ما لا نهاية"، وأنه " لم يعد خيارا للنهوض بالتنمية فقط، بل أصبح حتمية ترتبط بالبقاء أمام سطوة التكتلات القوية. فإما أن نكون متحدين، وإما أننا لن نكون، أو سنبقى مجرد كيانات لا وزن لها على الساحة الدولية".
الملك محمد السادس: الوحدة العربية ليست حلما صعب المنال، أو سرابا لا فائدة من الجري وراءه، بل هي تطلع مشروع قابل للتحقيق
وحث العاهل المغربي على إجراء "مصالحات عربية بينية، وتجاوز أسباب الفرقة والتجزئة، وتوحيد المواقف، وتعزيز العمل العربي المشترك، في نطاق احترام سيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية. كما ينبغي العمل على إصلاح جامعة الدول العربية وتعزيز صلاحياتها، باعتبارها بيتنا المشترك، والإطار المناسب لمعالجة القضايا العربية، ولوضع مخططاتنا التنموية والوحدوية".
واعتبرت الرسالة الملكية أن "البعد الاقتصادي ركيزة أساسية لتوطيد الوحدة، وتحقيق الاندماج التنموي، باعتباره أساس قيام تكتل عربي وازن، في محيطه الإقليمي والعالمي. وهو ما يقتضي العمل على استثمار التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، والتوجه نحو تحقيق اندماج اقتصادي حقيقي، يقوم على تشجيع الاستثمارات المتبادلة، في أفق إحداث سوق عربية مشتركة، ولا سيما من خلال تفعيل اتفاقية أغادير للتبادل الحر، مع مراعاة فضائل التضامن، بما يعود بالنفع على كل الشعوب العربية".
ودعا العاهل المغربي إلى تفعيل التجمعات الإقليمية العربية باعتبارها تشكل "قاطرة حقيقية لترجمة طموحنا في التكامل والوحدة، مع اعتماد مقاربة تشاركية وإدماجية، بين السلطات الحكومية، والمجالس المنتخبة، والقطاع الخاص، وهيئات المجتمع المدني، في انفتاح على جميع الشركاء".
وفيما ثمن نجاحات مجلس التعاون الخليجي، فإن الملك محمد السادس أكد أن "ما يحز في النفس، ويدعو إلى الحسرة، أن الاتحاد المغاربي يعرف جمودا مرفوضا، بسبب توجهات لن تخدم أيّ مصلحة، ولن تؤدي إلا إلى تكريس الحالة الراهنة، وإطالة أمدها، بما يبعث الإحباط في نفوس الشعوب المغاربية، ويفقدها الثقة في المستقبل".
كما دعا إلى "مد المزيد من جسور التواصل والتفاهم بين أبناء الوطن العربي، وفتح الحدود أمامهم، وتمكينهم من فرص الشغل ومن التفاعل مع محيطهم الجهوي، والانفتاح على عالم المعرفة والاتصال، فضلا عن تشجيع مبادرات المجتمع المدني، الذي أصبح فاعلا مؤثرا في اتخاذ القرار".
وحمّل الملك محمد السادس المفكرين العرب المسؤولية عن التوعية والتنوير والتحليل الموضوعي للوضع بالبلدان العربية مؤكدا على أن التكامل العربي الذي هو "ليس حلما صعب المنال أو سرابا بلا فائدة.. لا يعني الانغلاق والانعزال عن العالم بل ينبغي أن يشكل حافزا لتوطيد العمق الأفريقي والآسيوي للعالم العربي".
العاهل المغربي الملك محمد السادس يحمل المفكرين العرب المسؤولية عن التوعية والتنوير والتحليل الموضوعي للوضع بالبلدان العربية
وحث المشاركين على القيام بدورهم، كسلطة مضادة وقوة اقتراحية، "سواء في مجال التوعية والتنوير، أو في الدفاع عن المصالح العليا للشعوب العربية"، مشددا على أن "المثقف الحقيقي هو ضمير الأمة، الذي يحمل هموم وتطلعات شعبه، ملتزما بالدفاع عن قضاياه، ومتشبعا بمبادئ الوحدة العربية، بعيدا عن تأثير الأيديولوجيات والقرارات السياسية".
يشار إلى أن مؤسسة الفكر العربي التي أنشئت في بيروت عام 2000 قد افتتحت مؤتمرها الثالث عشر أمس تحت شعار "التكامل العربي حلم الوحدة وواقع التقسيم".
ومن جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رسالة وجهها إلى المؤتمر قرأها بالنيابة عنه عبدالله الدريدي نائب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) إن بعض البلدان العربية التي ازدهر فيها التنوع لأجيال متعددة حل العنف العرقي والطائفي فيها محل التسامح.
ولكنه نوه بما سماها تطورات مبشرة "ففي الشهر الماضي تمكن شعب تونس من التصويت سلميا في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية منذ ثورته في العام 2011 ويرسي دستور البلد الذي تجدر الإشادة بطابعه التقدمي".
وقال إنه "في جميع أنحاء المنطقة لا ينبغي للنزاع وعدم الاستقرار أن يحجبا التطلعات الجوهرية لشعوب العالم العربي من أجل تحقيق العدالة والكرامة والحرية".
وعن جامعة الدول العربية، دعا عبداللطيف عبيد الأمين العام المساعد لرئاسة مركز جامعة الدول العربية في تونس إلى "تجاوز الواقع الصعب الذي تعيشه أمتنا والمتصف بالفقر والاستباحة الخارجية والتعثر التنموي".
وقال إن التكامل "هو الوسيلة الأهم لتحقيق نهضة إنسانية تعم العالم العربي يشارك في صنعها جميع أبنائه أيا كان عرقهم ودينهم أو جنسهم مواطنين أحرارا متساوين في القيمة الإنسانية يملكون وسائل الإبداع والعمل الخلاق".
عن جريدة العرب بلندن