من وراء تصوير فيديو ذبح المصريين فى ليبيا
بعيدًا عن صدمة مشاهدة التسجيل المصور الذي بثه الدواعش على موقع "يوتيوب" لذبح المصريين المختطفين في ليبيا، فإن الثبات الانفعالي الواجب في تلك اللحظات الفارقة حتَّم مشاهدة ما تم بثه مرات ومرات، وبناءً عليه فإن هذا التسجيل يرتقي لمستوى "فيلم قصير" مدته خمس دقائق، أشرف على صناعته جهة متخصصة بالإعلام الدعائي لا حفنة من الإرهابيين.
بدأ الفيلم بكتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وبالتالي فهو يؤكد للمتلقي دينية الجهة المنتجة، ثم شعار ذهبي لذات الجهة باسم (الحياة) رغم أن الفيلم كله عن الموت ذبحًا !! هذا التضاد منذ البداية يستدعي آليًا بالذهنية الإسلامية آية (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
أول لقطة بالفيلم كانت لموقع المذبحة خاليًا، مع الظهور المفاجئ لدخول الضحايا باستخدام أسلوب القطع المتقافز (Jump Cut)، فنيًا هذا لا هدف من ورائه سوى إثارة التشويق وإبقاء الجمهور المستهدف أمام الفيلم وفي ذات الوقت بث الرعب في نفسيته، صاحب هذا استخدام مؤثر صوتي معمق للمعنى المطلوب.
عقب ظهور الضحايا قام المخرج بتسويد الشاشة ثم كتب بالعربية والإنجليزية (رسالة موقعة بالدماء إلى أمة الصليب) وبالتالي فـ"الداعشي" حدد صراحة الجمهور المستهدف من رسالته.
مشهد دخول الضحايا وهم يرتدون الزي البرتقالي إلى موقع المذبحة برفقة "الدواعش" تم تصويره من ( زوايا مختلفة، تؤكد جميعها على وجود مخرج ومدير تصوير ومونتير وفنيين، جميعهم على مستوى احترافي، فضلًا عن وجود معدات تقنية حديثة ساهمت في خروج هذا الفيلم بهذا الشكل. في اللحظة التي تم فيها تركيع الضحايا كُتب على الشاشة (رعايا الصليب من أتباع الكنيسة المصرية) وكأن الهدف من تلازم الصورة مع النص المكتوب هو إذلال الكنيسة المصرية بشكل خاص والنظام المصري بشكل عام.
في اللقطة العامة للساحل الصخري الغائم والذي سيشهد وقوع المذبحة بعد قليل تم تحديد المكان بكتابته (ساحل ولاية طرابلس على البحر الأبيض المتوسط)، كلمة "ولاية" دائمًا ما توقظ أحلام "عودة الخلافة" الراسخة في الوجدان الجمعي لكثير من مسلمي العالم.
بعد دخول الضحايا، بدأ المتحدث الملثَّم توجيه خطابه بالإنجليزية مصحوبًا بترجمة عربية مكتوبة، هذا المتحدث ارتدى زيًا عسكريًا مموهًا وسط باقي الدواعش الذين ارتدوا سوادًا كاملًا، وبالتالي نحن أمام قائد ميداني وسط جنوده، والرسالة: أنتم بانتظار جيش من المقاتلين !!
استخدام قائدهم لتعبيرات ومفردات (أرض الإسلام، جنوب روما، نزول عيسى، كسر الصليب، قتل الخنزير، دفع الجزية، جسد الشيخ أسامة) هذا كله أكسب المضمون طابعًا ملحميًا أمام بسطاء مسلمي العالم، لم يكتفِ بهذا بل برر لهم الوحشية - بعد قليل - بقوله وهو يخاطب مسيحيي العالم (لاسيما وأنكم تقاتلوننا كافة، فسنقاتلكم كافة) نحن هنا أمام "كاتب" يتقن كيف يكتب وعلى أي وتر يعزف !!
عند الذبح، ثبَّت المخرج الكاميرا في أقصى اليسار بزاوية فنية، ثم قام الدواعش بحز الرقاب ورمي الجثامين إلى الأمام على نحو تراتبي مثل قطع الدومينو!! السؤال: هل نحن أمام سفاحين؟! أم مجموعة ممثلين نفَّذوا تصميمًا حركيًا رسمه لهم أحد المتخصصين على ورق السيناريو؟!
المدلول البصري لمشهد فصل الرؤوس عن الرقاب لا هدف منه - عالميًا - سوى بث حالة من "الصدمة والرعب" لدى مسيحيي العالم الذين حدد خطابه لهم منذ البداية، ولا هدف - مصريًا – سوى سحق ثقة الشعب المصري في نظامه، وإظهار النظام بمظهر العاجز عن حماية رعاياه، وبالتالي الضغط عليه من أجل "فتح معلن" لجبهة من ناحية الغرب تخفف من قبضة النظام على رفاقهم بشمالي سيناء.
في النهاية اختلطت مياه البحر بدم الضحايا من المصريين، هذا بحد ذاته تضمن ثلاث رسائل، الأولى خاطب فيها اليمين المتطرف داخل مصر بأنه ثأر لـ"كاميليا وأخواتها" كما وعد، الثانية غازل بها أطياف اليمين الإسلامي المتطرف بجميع أنحاء العالم بثأره لجسد أسامة بن لادن الذي ألقي في البحر، الرسالة الثالثة والأخيرة ستصل لأصحابها حينما تحمل الأمواج هذا الدم نحو جنوب أوروبا !!
التجمع العربى للقوميون الجدد