الذكرى ال57 للوحدة المصرية السورية
اليوم تمر ذكرى يوم عظيم في تاريخ الأمة، حين قامت قبل 57 عاماً دولة الوحدة بين مصر وسوريا، وما أحوجنا اليوم للتذكر والدرس في وقت تتعرض فيه الأمة العربية لأشد المخاطر في تاريخها الحديث. ربما تكون هذه الوحدة الهائلة قد سقطت بعد سنوات، ولكنها ستبقى في ذاكرة الأمة عنواناً لفترة من أعظم فترات النضال العربي من أجل التحرر من الاحتلال الذي كان.
ومازال رابضاً على معظم الأرض العربية، ومن أجل التقدم والنهضة تحت راية عربية واحدة وجهد عربي مشترك. كانت المشاعر العربية قد اشتعلت بعد حرب السويس وكانت موجة التحرر التي اجتاحت المنطقة والعالم الثالث كله تستلهم كفاح شعب مصر ونضال شعب الجزائر وباقي الشعوب العربية تتصاعد يوماً بعد يوم..
وكان المد القومي العربي يصل إلى مداه بعد أن أدرك عمق الروابط بين الدول العربية وحجم التآمر عليها والأطماع في ثرواتها، وكانت أميركا تسعى لوراثة الاستعمار القديم، وتريد الهيمنة على المنطقة لاستخدامها في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييتي..
وكان المخطط قريباً مما نراه اليوم، حيث يراد تفتيت العالم العربي وبقاؤه رهن النفوذ الخارجي. في هذه الظروف كانت الوحدة بين مصر وسوريا وربما لم يكن التوقيت مناسباً بالنسبة لمصر، وقد حاول جمال عبد الناصر إعطاء فرصة للتمهيد قبل الوحدة أو اختيار نوع من الاتحاد الفيدرالي، لكن (وأرجو الانتباه لهذه النقطة) كان الخطر على سوريا لا يحتمل ذلك..
وكانت كلمة القادة السوريين الذين ذهبوا إلى القاهرة يومها: إنه إما الوحدة وإما ضياع سوريا. حيث كانت الجيوش التركية (نعم.. التركية) تقف على الحدود وتهدد باجتياح سوريا وإسقاط الحكم فيها، وضم أجزاء أخرى من أراضيها (غير ما سبق أن استولت عليه تركيا!!) ..
ولم تكن تركيا تتصرف وحدها.. كان وراءها قرار واشنطن ودول الغرب الحليفة لها ودعم الناتو والتحالف مع إيران والتوافق مع إسرائيل.. ومن هنا لم تكن الوحدة يومها تحقيقاً لحلم عربي فقط، ولكنها كانت رداً على مؤامرة. المنطق نفسه الذي قاد إلى الوحدة يومها، هو الذي قاد مصر بعد عامين لأن ترسل قوات رمزية إلى الكويت الشقيق، عندما تعرض فور استقلاله لتهديد عبد الكريم قاسم بالغزو..
لم تنتظر مصر قراراً دولياً ولا إذناً من واشنطن أو غيرها والعواصم الكبرى ولم تترك الوحدة مجالاً للعبث.. فهي عندها ـــــ قبل كل شيء ـــــ إرادة شعوب وليست مغامرات لحكام. والمنطق نفسه هو الذي حكم تصرف مصر في هذه الفترة المهمة، التي شهدت كفاح الأمة العربية وتحررها من المحيط إلى الخليج، الذي وقفت مصر تدافع عن عروبته وتساند كفاحه ضد احتلال كان لابد أن يرحل..
وضد أطماع إقليمية ودولية كانت ومازالت تحاول قطع الطريق على عروبة العرب، وكانت ومازالت كارهة لعروبة الخليج ووحدة أبنائه. وهذا المنطق نفسه هو الذي جعل الشعب العربي في كل أقطاره وليس في مصر فقط يرفض هزيمة 67 ويدرك أن الأعداء يريدونها طريقاً لوضع العربي كله تحت رحمتهم.
ومن هنا كان تحالف أكتوبر بين مصر وسوريا ودول الخليج، وباقي الدول العربية من الجزائر والمغرب حتى العراق، وكان استخدام سلاح النفط في مساندة الجهد الحربي، والحديث يطول عما وقع بعد حربنا العربية في 1973، ولكن ما يهمنا في هذا المجال أننا شهدنا أربعين عاماً من تراجع الفكرة العربية الجامعة والجهد العربي المشترك.
وفي المقابل نجاح القوى المعادية في تدمير دول عربية وفي إشاعة الفوضى في أنحاء الوطن العربي وتحويل جزء كبير منه إلى ساحة لجماعات الإرهاب المدعومة من قوى دولية وإقليمية أو من ذيولها العربية للأسف الشديد!! في ذكرى الوحدة نقف لنتذكر ونتأمل الصورة من حولنا..
سوريا يتم تدميرها، ومصر يتم حصارها بإخوان الإرهاب والدواعش ومن يقفون وراءهم في الداخل والخارج، ودول الخليج العربي تمارس عليها كل الضغوط ويحاولون تطويقها من الحوثيين في اليمن جنوباً ومن ميليشيات التطرف في العراق شمالاً، ومن الطامعين على الضفة الأخرى من الخليج، ومن المتآمرين لإغراق المنطقة في أتون الحروب الأهلية والطائفية ولكن..
في ذكرى الوحدة التي تآمر عليها الجميع، يطالعنا الوجه الآخر الذي ينبغي أن نتمسك به ونبني عليه. مصر لم تسقط في قبضة الإخوان ولم تستطع الخيانة أن تحكمها بعد أن استولت الجماعة الخائنة على مقاليد الأمور، في 30 يونيو كان الفاصل بين نظام عميل وبين شعب مصر بأكمله وجيشها الوطني بانحيازه لإرادة الشعب.
مصر تدفع الآن ضريبة التخلص من سيناريو التحالف الأميركي مع إخوان الإرهاب لتسليم المنطقة للفوضى الكاملة، ودول الخليج العربي تدرك حجم الخطر، وتضع الأولوية لوحدتها وتحالفها مع مصر ضد الإرهاب ومن يدعمونه.
ليس أمامنا إلا أن ندافع عن أنفسنا بأنفسنا، التحالف العربي الذي نادينا به منذ البداية هو السبيل الوحيد لإنقاذ الوطن العربي من تحالف جماعات الإرهاب بقيادة الإخوان مع واشنطن وأتباعها وذيولها وما دون ذلك لن تكون له نتيجة إلا تحقيق المخطط الذي لم يعد خافياً لتفتيت العالم العربي وإخضاعه لمخطط الفوضى ولحروب الطوائف.
في ذكرى الوحدة المصرية ــ السورية يمتزج الأسي مع الأمل.. الأسي لأن ما كنا نواجهه قبل ستين عاماً مازلنا نواجهه حتى الآن والأمل لأن الثمن الذي دفعناه (ومازلنا ندفعه) طوال هذه السنوات وحتى الآن يؤكد أنه لا بديل عن عروبة تتحمل مسؤولياتها ضد إرهاب يتستر بالدين، وضد تآمر لا يريد وحدة العرب، وضد مخطط يريد إعادة الهيمنة على مصير العرب والاستيلاء على ثرواتهم ومستقبلهم.
التجمع العربى للقوميون الجدد