سحق الجيش المصرى للجيش التركى فى موقعة ( معركة نسيب )
تعكس هذه الحرب حالة الانشقاق التي ضربت وحدة الدولة العثمانية مع مصر أكبر ولاياتها خلال القرن التاسع عشر، والنابعة من وهن الدولة العثمانية والفارق في التطور مع ما أحدثه محمد علي في مصر مدنياً واقتصادياً وعسكرياً. وكانت الرؤية السياسية بعيدة المدى التي امتاز بها محمد علي باشا عاملاً هاماً في نشأة الخلاف مع الخليفة العثماني الذي أعلن صراحة كرهه لمحمد علي. استغل محمد علي باشا حالة الترهل الشديدة التي كانت عليها الدولة العثمانية، وأيضاً حالة الانقسام الواضحة بين القوى الأوروبية وبعضها البعض واختلال نظرية التوازنات السياسية الإقليمية والدولية. كما دل هذا الانتصار على التخطيط الاستراتيجي الناجح وتفوق القائد إبراهيم باشا على نظيره العثماني والمعزز بخبرات عسكرية من أوروبا للمساعدة، بالإضافة إلى مهارته في القتال بجيشه على أراضي مختلفة، وتضاريس مجهولة، وتحت ظروف جوية معقدة. هذا لم يكن محض المصادفة، فقد نمت مهارة القائد إبراهيم باشا ودرايته عبر خوضه معارك وفتوحات عديدة في كل من السودان والحجاز ونجد وفلسطين وسوريا وحرب المورة في اليونان.
التدخل الأوروبى
تفكك الإمبراطورية العثمانية أدى إلى تدخل بعض القوى في أوروبا لاحداث التوازن الإقليمي المرجو للقارة وللحفاظ على الكيان المترهل للدولة العثمانية، وأيضاً لعدم المساهمة في نشأة [خلافة إسلامية عربية جديدة ولدحض أهداف محمد علي، ولذا قامت كل من المملكة المتحدة والإمبراطورية النمساوية بالتدخل لصالح الامبراطورية العثمانية لحفظها من خلال إرسالهم لقوات وأسطول بحري عبر المتوسط لقطع الطريق بين مصر من جهة ومواقع البحرية السورية والجيش المصري هناك من جهة أخرى، ونجحت في ذلك في نهاية المطاف واضطر إبراهيم باشا إلى العودة إلى مصر في شباط/فبراير 1841م.
يبقى أن نذكر أن الجيش المصري نجح في الانتصار من قبل بقيادة إبراهيم باشا على العثمانيين في معركة قونية 1832م وإحتلال أجزاء كبيرة من هضبة الأناضول حتى مدينة كوتاهية، وكان القائد إبراهيم باشا قد أصر على والده محمد علي باشا في المواصلة حتى الآستانة -إسطنبول- لإسقاط الخلافة العثمانية، ويشير بعض المؤرخين على أنه كان قادراً على ذلك، إلا أن تردد محمد علي وتفضيله الحل السياسي مع الدول الأوروبية وتوقيع إتفاقية كوتاهية عام 1833م أدى إلى ضياع الفرصة على ولده إبراهيم ونشأة الخلاف بينهما.
الوضع المادي والمعنوي للجيشين
كان الجيشان مجهزين تجهيزًا ممتازًا وكانت قواهما متعادلة. كان عدد الجنود في كل جيش يقارب الأربعين ألف رجل مدعومين بالمدفعية والفرسان. يقول قسطنطين بازيلي:
«منذ أن طبق التكتيك الأوروبي في الشرق لم يلتق يومًا في ساحة الوغى أفضل من هذين الجيشين»
من ناحية تدريب الجيش المصري فقد كان مدرباً على أحدث الأساليب العسكرية من حيث تنظيم الصفوف و سرعة التحرك والمناورة، ووجود سليمان باشا الفرنساوي كرئيس لأركان الجيش المصري، وقيادة إبراهيم باشا الذي أصبح خبيراً بكيفية التغلب على الجيوش العثمانية منذ سنوات،
من ناحية أخرى، تمتع الجيش العثماني بالكثير من الأفضليات المادية والمعنوية، فقد كان الجندي التركي أكثر إخلاصًا بإعتبار أنه يحارب تحت راية الخلافة العثمانية كما كان أقوى بنية من الجندي المصري والسوري في جيش إبراهيم باشا. إضافة إلى ذلك، كان الجيش العثماني أفضل تزويدًا بالمؤن وكان قد استراح عدة أسابيع في معسكره، عكس الجنود المصريين الذين كانوا قد أنهكهم المسير لملاقاة الجيش العثماني تحت حرارة الشمس في بداية فصل الصيف .
المعركة
عند وصول جيش إبراهيم أرسل فرقًا استطلاعية لمعرفة تحصينات الأتراك وتفاصيل معسكرهم، فاتضح له ولرئيس أركانه سليمان باشا أن الموقع محصن جيدًا تحميه سبعة مدافع قوية، وبعد دراسة ميدانية لتضاريس الموقع قرر إبراهيم باشا الالتفاف على معسكر العثمانيين لحرمانهم من الإستفادة من تحصينات موقعهم، نصح القائد البروسي حافظ باشا بالانسحاب إلى أول معسكر محصن في البيرة بعد أن أدركوا خطة إبراهيم باشا فرفض الإنسحاب ثم نصحه بالإشتباك مع جيش ابراهيم باشا في طريق إلتفافه ولكن حافظ باشا خشي من عواقب قتال الجيش المصري خارج نزيب بعيداً عن حصونه التي أقامها فيها، ارتكب حافظ باشا خطأ آخر بعدم سيطرته على الطرق والجسر الذي إستخدمه جيش إبراهيم باشا للعبور والإلتفاف حول الجيش العثماني، وعندما أتم الجيش المصري الإلتفاف لاحظ إبراهيم باشا نقطة ضعف في الجناح الأيسر للجيش العثماني فأمر بقذفه بالمدافع، وكاد إبراهيم باشا أن يخسر المعركة عند بدايتها عندما نفذت ذخائر مدافعه وتأخر وصول ذخائر جديدة حينها قرر تنفيذ هجوم من الجناح الأيمن لجيشه مع مجموعة من الفرسان ما لبثوا أن تقهقروا بفعل قذائف المدفعية التركية. أوقف سليمان باشا الجنود الفارين بقذائف مدفعيته التي أرغمتهم على العودة إلى المعركة. أضاع حافظ باشا فرصة جديدة للنصر عندما لم يلاحق فلول المصريين المنسحبين مما أتاح لهم التماسك والعودة إلى المعركة. في نفس الوقت، وعند وصول الذخائر الجديدة أدت القذائف المدفعية المصرية إلى الفتك بفرسان الجيش العثماني وإنتشار الفوضى في صفوفه. عندئذ أمر إبراهيم باشا بهجوم وسط الجيش المصري وميسرته تحت غطاء نيران المدفعية المصرية ليسحق الجيش العثماني خلال نصف ساعة. سيطر إبراهيم باشا على المعسكر ومدافعه وجزء من خزينة الجيش إضافة أسر من 10 إلى 15 ألف أسير. وصل عدد القتلى إلى حوالي سبعة آلاف قتيل. فتحت هذه المعركة أبواب الأناضول مجددًا أمام إبراهيم باشا للمرة الثانية خلال ثماني سنوات، ولكنه، بسبب ضغوط الدول الأوروبية، اكتفى بالسيطرة على بعض تخوم سورية الشمالية من نسيب إلى أورفة والبيرة وعنتاب وانتهاءً بمرعش بوابة الأناضول.
التجمع العربى للقوميين الجدد