سيف الدين قطز
الملك المظفر سيف الدين قطز
قاهر المغول وحامى حمى مصر
الملك المظفر سيف الدين قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، سلطان مصري ذو أصل مملوكي (توفي 658 هـ الموافق 1260)؛ تولى الملك سنة 657 هـ الموفق 1259. يُعدّ قطز بطل معركة عين جالوت وقاهر التتار المغول؛ كما يعتبر أبرز ملوك مصر على الرغم من أن فترة حكمه لم تدم سوى أقل من عام واحد، حيث نجح في إعادة تعبئة وتجميع الجيش المصري، واستطاع إيقاف زحف التتار الذي كاد أن يقضي على الدولة الإسلامية، فهزمهم قطز بجيشه هزيمة كبيرة في عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام بأكملها من سلطتهم.
"قطز" هو اسم أطلقه التتار عليه حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم له وهو صغير، ومعنى قطز باللغة المغولية (الكلب الشرس)،
نسب قطز يعود إلى الأمير ممدود الخوارزمي ابن عم السلطان جلال الدين خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية وزوج أخته. نشأ قطز نشأة الأمراء وتدرب فنون القتال على يد خاله، وبعد سقوط الدولة الخوارزمية بيع مملوكًا في الشام، ثم انتقل لمصر وبيع مملوكًا للملك الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الدولة الأيوبية، فتعلم فنون القتال والخطط الحربية في مدارس المماليك، وشارك جيش الملك الصالح في صد الحملة الصليبية السابعة، وتحقيق الانتصار في معركة المنصورة عام 648 هـ الموافق 1250. تدرّج قطز في ترتيب السلطة حتى كان يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ الموافق 11 نوفمبر 1259 حيث نُصب ثالث سلاطين مماليك مصر،
ولما عاد قطز منتصرًا من عين جالوت إلى مصر تآمر عليه بعض الأمراء المماليك بقيادة بيبرس، فقتلوه بين القرابي والصالحية ودفن بالقصير، ثم نقل قبره بعد مدة من الزمن إلى القاهرة، وكان مقتله يوم السبت 16 ذو القعدة 658 هـ الموافق 22 أكتوبر 1260، وذلك بعد معركة عين جالوت بخمسين يومًا،
الدولة الخوارزمية حكم أجداد قطز في أقصى اتساعها.
نشأ قطز كأي مملوك تم شراءه، مثل بقية المماليك الأرقّاء القادمين من بلاد ما وراء النهر من بلاد المغول والترك؛ فالترك من قبائل المغول التي سكنت شرق آسيا ومنهم التتار الذين خرج منهم جنكيز خان وهولاكو. ويُوصف قطز بأنه أحد أمراء الدولة الخوارزمية الإسلامية التي كانت مجاورة لإمبراطورية المغول التي أسسها خان المغول جنكيز خان، وقد دخل ملك الدولة الخوارزمية علاء الدين محمد الخوارزمي في صراع وحروب مع جنكيز خان أدت إلى تحطم الإمبراطورية الخوارزمية وهلاك علاء الدين محمد خوارزم شاه وابنه السلطان جلال الدين، والخوارزميون هم سلالة تركية سُنِّية حكمت أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى وغرب إيران في الفترة (1077 - 1220) وكانوا أتباعًا اقطاعيين للسلاجقة ثم استقلوا، وأصبحوا حكامًا مستقلين في القرن الحادي عشر الميلادي.
ولمَّا سقطت الدولة الخوارزمية بمقتل السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه في 15 شوال 628 هـ الموافق 9 أكتوبر 1231، كان الأمير ممدود الخوارزمي ابن عم السلطان جلال الدين وزوج أخته قد شارك جلال الدين في قتاله للمغول حتى نال الشهادة وقتل في بداية الحروب الخوارزمية المغولية، وترك الأمير ممدود قبل وفاته ابنه الصغير محمود في رعاية وتربية خاله السلطان جلال الدين، قال علي أحمد باكثير « مات الأمير ممدود شهيدًا في سبيل الله، ولم يتجاوز الثلاثين من عمره، تاركًا وراءه زوجته البارة، وصبيًا في المهد لما يدُر عليه الحول، ولم يتمتع برؤيته إلا أياماً قلائل، إذ شغله عنه خروجه مع جلال الدين لجهاد التتار، ولم يكن له وهو يودع هذه الحياة ونعيمها من عزاء إلا رجاؤه فيما أعد الله للشهداء المجاهدين في سبيله من النعيم المقيم والرضوان الأكبر»،
ويروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن سيف الدين قطز «لما كان في رق موسى بن غانم المقدسي بدمشق، ضربه سيده وسبه بأبيه وجده، فبكى ولم يأكل شيئا سائر يومه، فأمر ابن الزعيم الفراش أن يترضاه ويطعمه، فروى الفراش أنه جاءه بالطعام، وقال له: كل هذا البكاء من لطمة، فقال قطز: إنما بكائي من سبه لأبي وجدي وهما خير منه، فقلت: من أبوك واحد كافر، فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكتُّ وترضيته».
نشأته
ولد قطز أو الأمير محمود بن ممدود الخوارزمي في أسرة ملكية بمملكة خوارزم شاه بفارس، ولم يذكر المؤرخون السنة التي ولد فيها، وكان أقرب تاريخ ذُكر في سيرة قطز هو عام 628 هـ الموافق 1231 عندما تمَّ اختطافه عقب انهيار الدولة الخوارزمية على يد التتار، وحُمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق.
ولد محمود للأمير ممدود ابن عم وزوج أخت السلطان جلال الدين الخوارزمي، ونشأ نشأة الأمراء وتدرب فنون القتال على يد خاله جلال الدين نظرًا لاستشهاد أبيه وهو لايزال رضيعًا في حروب المسلمين الأولى ضد التتار، وكان اسمه وقتها محمود، ثم دارت الدائرة على مملكة جلال الدين وقضى التتار عليه وعلى ملكه، وأُسر الأمير محمود وبيع عبدًا في السوق لثري من أثرياء الشام،
فرباه الثري وأحسن تربيته، فتعلم اللغة العربية وأصولها، وحفظ القران الكريم ودرس الحديث، وبعد موت الثري أصبح قطز مملوكًا لابن الثري، ولم يجد منه عناية وحسن تعامل، فبيع قطز لثري آخر من أثرياء الشام، وكان هذا الثري مدخلًا لقطز لدخول الحياة السياسية والجهاد ضد الصليبيين، فهذا الثري هو ابن واحد من أكبر معاوني العالم العز بن عبد السلام، فتربى قطز تربيه جديدة، وجاءت الحروب الصليبية على الشام ومن ضمنها دمشق، وعندما تخلى الصالح إسماعيل عن جهاد الصليبيين وهادنهم، نهض الملك الصالح نجم الدين أيوب للدفاع عن المسلميين، فاشترك قطز من ضمن المدافعين من أهل دمشق مع الجيش المصري، وكان له دور مع بقيت أهل الشام في انتصار المسلمين على الصالح إسماعيل وأعوانه من الصليبيين.
ثم طلب قطز من سيده أن يبيعه إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب ليندرج تحت سلك ممالكه، ووافق سيده على بيعه، وبعد أن بيع قطز إلى الملك الصالح عهد به إلى الأمير المملوكي عز الدين أيبك، فتربى قطز مثل باقي المماليك حيث يتم الحاقهم بمدرسة المماليك، ويتم تعليمهم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم حفظ القران الكريم ومباديء الفقة الإسلامي، ثم فنون القتال من الرمي بالسهام والقتال بالسيوف، وركوب الخيل ووضع الخطط الحربية والتصرف في أمور الدولة، وقد ساعدت التربية الإسلامية والقتالية لقطز في سن الطفولة والشباب في قصر خاله السلطان جلال الدين حيث تولى تربيته بعد وفاة أبيه، في تفوق قطز على أقرانه من المماليك الذين اشتراهم الملك الصالح، فقد نشأ قطز على كراهية المغول وسمع وشاهد القتال والمعارك التي قادها خاله وأبوه في بلاد الخوارزميين.
وكان التتار هم الذين أطلقوا على محمود ابن الأمير ممدود اسم قطز، وهذه الكلمة بالتترية تعني الكلب الشرس، فقد كان واضحًا على قطز علامات القوة والبأس من صغره، فلذلك أطلق عليه التتار هذه الكلمة،
أورد المؤرخون وصفًا لقطز بأنه كان شابًّا أشقر، كثَّ اللحية، بطلا شجاعًا عفًّا عن المحارم، مترفعا عن الصغائر، مواظبًا على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار، تزوج من بني قومه، ولم يخلف ولدًا ذكرًا، بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئًا بعده.
حياته في الدولة الأيوبيه
انتقل قطز من الشام وانضم إلى مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي كان يكثر من شراء المماليك ويضمهم إلى جيشه ويربيهم على الولاء لجيشه، ولأن قطز من أصول ملكية في الدولة الخوارزمية وقد تعلم فيها فنون القتال، وشاهد المعارك والحروب التي دارت بين قومه وبين التتار المغول، فقد ساعده ذلك كله في ترقيته في صفوف المماليك الصالحية البحرية، وارتقى بسرعة حتى أصبح الساعد الأيمن لأمير جند السلطان الأمير عز الدين أيبك، الذي كان له دور هام في الأحداث السياسية في مصر والبيت الأيوبي، جاء قطز إلى مصر وقد تكون فيها جيش قوي عظيم من المماليك البحرية، الذي تصدى لكل المحاولات الخارجية لغزو مصر وأهمها الحملة الصليبية السابعة التي قادها الملك لويس التاسع، وقد أظهرت معركة المنصورة قوة المماليك العسكرية والتخطيطية في إدارة المعارك، ثم قدرتهم على الحكم وإدارة شؤون البلاد حين قرروا التخلص من السلطان توران شاه، وتنصيب شجرة الدر زوجة سيدهم الملك الصالح ملكة على مصر، ثم ظهورهم على الساحة كسلاطين وحكام لمصر والشام.
شارك قطز جيش الملك الصالح في صد الحملة الصليبية السابعة، وتمثلت شجاعة المماليك في الانتصار الكبير الذي حققوه في معركة المنصورة عام 648 هـ الموافق 1250 والتي أُسر فيها الملك لويس التاسع قائد الحملة،
وقد وصف أحد المؤرخين المماليك في تلك المعركة بقوله: «والله لقد كنت أسمع زعقات الترك كالرعد القاصف، ونظرت إلى لمعان سيوفهم وبريقها كالبرق الخاطف، فلله درهم فقد أحيوا في ذلك اليوم الإسلام من جديد بكل أسد من الترك قلبه من حديد، فلم تكن ساعة وإذا بالإفرنج قد ولوا على أعقابهم منهزمين، وأسود الترك لأكتاف خنازير الأفرنج ملتزمين»،
وكانت من أهم أحداث معركة المنصورة وفاة الملك الصالح وتنصيب توران شاه ملكًا لمصر، ومن أهم نتائج المعركة وصول المماليك لحكم مصر والقضاء على الدولة الأيوبية.
توران شاه
قاد الملك توران شاه المماليك وبقية جيشه في استكمال تحقيق النصر في معركة المنصورة وصد الحملة الفرنسية السابعة، ولكن هذا النصر لم يسفر عن استقرا الأحوال السياسية في مصر، بل ظهر الخلاف بين المماليك البحرية الذين أظهروا قوتهم وجلادتهم في قتال الفرنجة وبين ابن أستاذهم الملك توران شاه، وذكر المؤرخون أن توران شاه لم يكن صالحًا للحكم لتهوره وكبريائه، ولتعامله السيء مع زوجة أبيه شجرة الدر، ولتنكره لأمراء المماليك وعلى رأسهم الأمير فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وسيف الدين قطز، قرر المماليك الحربية التخلص من توران شاه، وفي 27 محرم 648 هـ الموافق 2 مايو 1250 قُتل توران شاه من قبل أمراء المماليك، بعد أن حكم واحدًا وستين يومًا.
شجرة الدر[عدل]
بعد قيام المماليك البحرية بقتل سلطانهم توران شاه أصبح هناك فراغ في الحكم، حيث لايوجد بديل من أسرة بني أيوب لحكم مصر، وعليه اختار أمراء المماليك ومن بينهم قطز زوجة سيدهم شجرة الدر ملكة على الديار المصرية، وأُخذت البيعة للسلطانة الجديدة في شهر صفر 648 هـ الموافق مايو 1250، وما إن تولت مقاليد الحكم حتى لاقت الرفض من الخليفة العباسي في بغداد، وقام العلماء ينددون بتنصيبها في المنابر، وتفجرت الثورات في العالم الإسلامي، فما كان من شجرة الدر إلى التنازل بالحكم لأحد أمراء المماليك البحرية، بعد أن حكمت مصر ثمانين يوماً.
حياته في الدولة المملوكية
شجر الدر سلطانة مصر
بعد أن قررت شجرة الدر التنازل عن الحكم، اختارت عز الدين أيبك التركماني الصالحي خليفةً لها في الحكم بعد زواجها منه، وقد وافق أمراء المماليك وقطز أحدهم على اختيار أيبك كأول سلاطين الدولة المملوكية،
وقد شارك قطز السلطان أيبك في هزيمة الأيوبيين بقيادة الملك الناصر في معركة عند بلدة العباسة بين الصالحية وبلبيس،
وعندما دَب الخلاف بين عز الدين أيبك وفارس الدين أقطاي، قرر أيبك إنشاء فرقة من المماليك عرفوا فيما بعد بالمماليك المعزية نسبة إلى لقب عز الدين أيبك الملك المعز، وعين مملوكه قطز المعزي نائبًا للسلطنة في مصر، ولمَّا أحس أيبك بخطر الأمير أقطاي وخطر فرقته المماليك البحرية، خشي أيبك على حياته بعد أن وصلته أخبار عن عزم أقطاي اغتياله، فدبر أيبك خطة لاغتيال أقطاي بمساعدة نائبه قطز وبعض مماليكه المعزية، واستدعى أيبك غريمه أقطاي للمثول أمامه في القلعة لاستشارته في بعض الأمور، وفي الميعاد المحدد حضر أقطاي إلى القلعة ومعه عدد من مماليكه، ودخل باب القلعة المؤدي لقاعة العواميد، وتم اغلاق الباب ومنعت المماليك البحرية من الدخول، وبسرعة انقض عليه الأمير قطز ومن معه من المماليك المعزية وقتلوه بالسيوف.
ثم وقع الخلاف بين أيبك وزوجته شجرة الدر بسبب تمرده عليها وعدم اشراكها في حكم مصر، وبسبب تخلصه من المماليك البحرية، ومما زاد الأمر سوءًا عزم أيبك الزواج من ابنة ملك الموصل بدر الدين لؤلؤ، فعزمت شجرة الدر على قتل أيبك، وكان لها ما أرادت، وقَتل خمسة من غلمانها أيبك وهو في الحمام وكان ذلك في 655 هـ الموافق 1257، وبعد انتشار خبر وفاة الملك المعز، حاولت شجرة الدر اخفاء واقعة القتل حيث ادعت أن أيبك وقع من فوق جواده، إلى أن مماليك السلطان المعز بقيادة الأمير قطز كشفوا حقيقة قتلها للسلطان، وقرروا قتلها.
علي بن المعز
صمم المماليك المعزية وعلى رأسهم سيف الدين قطز على أن يقيموا على العرش الذي بات شاغرًا بمصرع أيبك صبيًا صغيرًا في الخامسة عشر من عمره وهو نور الدين علي ابن سيدعم عز الدين أيبك، وتم ذلك في 655 هـ الموافق 1257 ولقبوه الملك المنصور علي،
وقد رفض بعض المماليك الاعتراف بالسلطان الصغير، وتجسد رفضهم في عدة اضطرابات عاصفة، استنجدت بعض الفئات المتنازعة بملوك بني أيوب في الشام، وحاول المغيث عمر صاحب إمارة الكرك غزو مصر مرتين، ولكن الفشل حالفه في المرتين، وكانت كل هذه الاضطرابات فرصة جيدة ومناسبة لظهور نجم سيف الدين قطز، فبعد أن عزم المماليك الصالحية داخل مصر الانقلاب على المماليك المعزية وقائدهم قطز وحاولوا تنصيب الأتابك سنجر الحلبي سلطانًا لمصر، سارع قطز في اعتقاله وحبسه في سجن القلعة،
وتطورت الأمور بهروب الكثير من المماليك المعارضين إلى الشام، فطاردهم قطز وقبض على الكثير منهم، وسجنهم في سجون القلعة.
استقرت الأمور نسبيًا لقطز في مصر وخلا له الجو فصار نائب السلطان،
وصار المدبر والحاكم الفعلي لمصر حيث أن السلطان الجالس على العرش طفل صغير، وكان جلوس السلطان الصبي على العرش مسألة قُصدبها كسب الوقت حتى يتمكن واحد من كبار المماليك من حسم المسأله لطرفه، ولم يشأ قطز أن يتعجل الأمور بحسم أمر السلطة له ومواجهة المنافسين بعد وفاة عز الدين أيبك، فأمسك بزمام السلطة الفعلية تاركًا للسلطان الصبي شعار السلطنة ولقبها،
ثم بدأ قطز بترتيب الأوضاع الداخلية لصالحه، في حين كانت الشائعات تملأ سماء القاهرة بأن السلطان الصغير يريد خلع قطز مملوك أبيه، واجتمع الأمراء في بيت أحد كبارهم وتكلموا إلى أن نجحوا في إصلاح الأمور بين الملك المنصور علي وبين مملوك أبيه الأمير قطز، وبذلك توطدت مكانة سيف الدين قطز في الدولة.
في الوقت نفسه كانت الأحوال متردية بسبب الفتن التي أثارتها طوائف المماليك في القاهرة، كما كان خطر محاولات الغزو الفاشلة التي قام بها المغيث عمر في 655 هـ الموافق 1257، وفي سنة 656 هـ الموافق 1258، تقلق بال قطز، حيث خرج في المرتين للقاء المماليك البحرية وحليفهم الأيوبي، واستطاع القضاء على الخطر الأيوبي، فواصل قطز ترتيب أمور المملكة من الداخل بعد أن واجه الخطر الخارجي، فقبض على جماعة من الأمراء لميلهم للملك المغيث عمر، وهم: الأمير عز الدين أيبك الرومي الصالحي، والأمير سيف بلبان الكافوري الصالحي الأشرفي، والأمير بدر الدين بكتوت الأشرفي، والأمير بدر الدين بلغان الأشرفي، وبذلك استتب الأمر لقطز.
تنصيبه سلطانًا لمصر
بعد قرابة ثلاث سنوات من حكم نور الدين علي بن أيبك مصر، بدأت صدى طبول الحروب التتارية تترد على حدود مصر، واقتربت رياح الغزو التتري لبلاد الشام ومصر، ولم يكن بوسع السلطان الصبي نور الدين علي أن يفعل شيئًا إزاء خطر التتار الداهم والقريب، الذي كان يقضي وقته في ركوب الحمير والتنزه في القلعة، واللعب بالحمام مع الخدم،
ومع كل خبر جديد يصل عن وحشية التتار كانت الأحوال في مصر تزداد اضطرابًا، ومع اقتراب جحافل التتار من الشام أرسل الملك الناصر رساله حملها المؤرخ والفقيه كمال بن العديم إلى مصر يستنجد بعساكرها،
ولما قدم ابن العديم إلى القاهرة عقد مجلس في القلعة حضره السلطان الصبي المنصور نور الدين علي، وحضره كبار أهل الرأي من العلماء والقضاه مثل قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري، والشيخ العز بن عبد السلام، وكان من بين الحاضرين سيف الدين قطز، وكان هذا الاجتماع آخر خطوات قطز نحو وصوله لعرش مصر وقتال التتار، فقد استغل قطز اجتماع القلعة لخلع السلطان الصبي، وأخذ في الاجتماع يتحدث عن مساويء المنصور علي وقال«لابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو، والملك الصبي لايعرف تدبير الملك»، وساعد قطز في الوصول لهدفه أن مساويء السلطان المنصور علي كانت قد زادت حتى انفض الجميع من حوله، واستهتر في اللعب وتحكمت أمه في أمره فاضطربت الأمور، وانتهز قطز الفرصة المناسبة عندما خرج أمراء المماليك البحرية والمعزية في رحلة صيد في منطقة العباسية في الشرقية وعلى رأسهم الأمير سيف الدين بهادر والأمير علم الدين سنجر الغتمي، وكان ذلك في يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ الموافق 1259، وقبض قطز على السلطان المنصور علي وعلى أخيه قاقان وعلى أمهما، واعتقلهم في أحد أبراج القلعة، وفي هذا اليوم انتهت مدة حكم السلطان المنصور علي والتي استمرت سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام، وحين قدم المماليك من رحلة الصيد بقيادة سيف الدين بهادر وعلم الدين سنجر، أنكروا على قطز مافعله، فأخبرهم بخطر التتار القادم على بلاد الشام ومصر، وقال لهم: «إني ماقصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم في السلطنة ماشئتم»
ترتيب الوضع الداخلي
استلم قطز السلطة في مصر وكان وضعها متأزمًا جدًا عندما بدأ التتار في اجتياح الشام والاقتراب أكثر من الديار المصرية، وكان المسرح السياسي في القاهرة يموج بالاضطرابات والأزمات، وكانت الفتن الناتجة عن التصارع على كرسي السلطة والحكم عنيفة ومتكررة، وكان الخطر الآخر القريب يتمثل في المماليك البحرية الذين فر الكثير منهم إلى الإمارات الإسلامية في الشام، ومن بقي منهم في مصر بقي على وجل وترقب، وهذا الانقسام أضعف القوة العسكرية المصرية لأن المماليك البحرية كانوا أساس الجيش المصري في ذلك الوقت،
وكان المسرح السياسي الخارجي يحمل مشكلات أخرى كبيرة، فالعلاقة مع كل إمارات الشام كانت مقطوعة تمامًا، وكان روح العداء الشديد هو السائد بن الطرفين، كما لم يكن لمصر أي سند من الدول المجاورة لها في أفريقيا، ولم يكن الوضع الاقتصادي في مصر بأفضل حالًا من الأوضاع السياسية والاجتماعية، فهناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد جراء الحملات الصليبية المتتالية، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها في الشام، ومن جراء الفتن والصراعات على المستوى الداخلي، كما أن الناس انشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخلية والخارجية فتردَّى الاقتصاد إلى أبعد درجات التردي.
لم يكن جلوس قطز على عرش السلطنة نهاية لرحلة المملوك إلى عرش مصر، فقرر قطز توطيد دعائم حكمه في الداخل قبل التوجه للقاء عدوه الخارجي وقطع أطماع الآخرين في كرسي الحكم الذي يجلس عليه، فجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وكل هؤلاء كانوا من المحركين الفعليين لطوائف شعب مصر المختلفة، وقال لهم أن سبب توليه الحكم هو مواجهة العدو: «إني ماقصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم في السلطنة ماشئتم»، ثم أرسل المنصور علي وأخاه وأمه إلى دمياط واعتقلهم في برج بناه هناك واطلق عليه اسم برج السلسلة، ثم نفاهم جميعًا بعد ذلك إلى القسطنطينية، كما قام قطز بالقبض على رؤوس الفتنة الذين حاولوا أن يخرجوا على حكمه وسلطته وهم: الأمير علم الدين سنجر الغتمي، والأمير عز الدين أيدمر النجيبي الصغير، والأمير شرف الدين قيران المعزي، والأمير سيف الدين الدود خال السلطان المنصور علي بن المعز، والطواشي شبل الدولة كافور، والطواشي حسام الدين بلال المغيثي الجمدار، واعتقلهم ووضعهم في سجن القلعة، وهكذا تمكن من التخلص من رؤوس المعارضة، ثم بدأ السلطان المظفر سيف الدين قطز باختيار أركان دولته وتوطيد دعائم دولته، فبدأ بتغيير الوزير ابن بنت الأعز، وولى بدلًا منه زين الدين يعقوب عبد الرفيع بن يزيد بن الزبير، وأقر الأمير فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي المعروب بالمستغرب أتابكًا، وفوض إليه بجانب زين الدين يعقوب تدبير العساكر واستخدام الأجناد وسائر أمور الجهاد والاستعداد للحرب ضد التتار.
وبعد أن ضمن سيف الدين قطز هدوء الأحوال داخل دولته، بدأ في التوجس من الملوك الأيوبيين في الشام، خاصة الناصر يوسف صلاح صاحب دمشق وحلب، وخاف من عاقبة مواجهته بدلًا من مواجهة التتار، فكتب إليه خطابًا رقيقًا حاول فيه تجنب المواجهه معه، وأقسم قطز بالأيمان أنه لا ينازع الملك الناصر في الملك ولا يقاومه، وأكد له أنه نائبًا له في مصر، ومتى حل بها أقعده على كرسي العرش، وقال: «وإن اخترتني خدمتك، وإن اخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره».
الإعداد لمواجهة التتار ومعركة عين جالوت
أصبح خطر التتار يهدد مصر بعد أن تمكنوا من الإستيلاء على جميع الإمارات والدول والأراضي الإسلامية حتى وصلت سلطتهم إلى غزة، ولم يبقى بينهم وبين مصر إلى معركة الحسم، بدأ المظفر قطز بالتحضير لمواجهة التتار، وكان أول أمر يقوم به هو إصداره لعفو عام وشامل عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي،
وكانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز، فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار، وكانت المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية، ولها خبرة واسعة في الحروب، فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية المتواجدة في مصر ستنشيء جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار، وكان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد ركن الدين بيبرس إلى مصر، فاستقبله قطز استقبالًا لائقًا، وعظم شأنه وأنزله دار الوزارة، وأقطعه قليوب وماحولها من القرى، وجعله في مقدمة الجيوش في معركة عين جالوت.
ثم واجهت قطز أزمة اقتصادية منعته من تجهيز الجيش المتجه لمواجهة التتار، فلابد من تجهيز الجيش المصري وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وليس هناك من الأموال ما تكفي لتأمين كل ذلك، فقام قطز بدعوة مجلسه الاستشاري ودعا إليه سلطان العلماء العز بن عبد السلام، اقترح قطز أن تفرض ضرائب لدعم الجيش، ولكن هذا القرار يحتاج فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون إلا الزكاة،
عندها أفتى العز بن عبد السلام وقال: «إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص - وهي حزام الرجل وحزام الدابة- المذَهَّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا».
وقد بيَّن العز بن عبد السلام بأنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات، ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، فإن لم تكفي هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي لتجهيز الجيش، قبِل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا أمره، فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئاً في الباطن، ولما جمعت هذه الأموال ضربت سكاً ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش،
ولكن لم تكفي هذه الأموال في تغطية نفقة الجيش، فقرر قطز إقرار ضربية على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير ديناراً واحداً، وأَخذ من أجرة الأملاك شهراً واحداً، وأَخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلاً، وأَخذ من الترك الأهلية ثلث المال، وأَخذ من الغيطان والسواقي أجرة شهر واحد، وبلغ جملة ما جمعه من الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار.
رسالة هولاكو لقطز
عندما كان سيف الدين قطز منشغلاً بإعداد الجيش وتجهيزه، جاءته رسالة من هولاكو يحملها أربع رسل من التتار، وفيها:
من ملك الملوك شرقاً وغرباً الخاقان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أنَا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطناً على من حل به غضبه، سلموا إلينا أمركم قبل أن ينكف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق لمن شكى، قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب، فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا خلاص، فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلِم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خلفتم هلكتم، فلا تُهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنّا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا سبيل، فلا تطيلو الخطاب وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منّا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرازاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى.
كانت هذه الرسالة بمثابة إعلاناً صريحاً بالحرب أو تسليم مصر للتتار، على إثر الرسالة عقد قطز مجلساً ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء وبدؤا مناقشة فحوى الرسالة، كان قطز مصمماً على خوض الحرب ورافضاً لمبدأ التسليم، وقال قطز مقولته لما رأى من بعض الأمراء التراخي في مواجهة التتار: «أنا ألقى التتار بنفسي»،
ثم قال: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين فى رقاب المسلمين»، وقال: «من للإسلام إن لم نكن نحن»،
بعد هذه الكلمات أيد الأمراء المماليك قرار قطز في المواجهه، ثم قرر قطز أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم هولاكو، وأن يعلق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة، وذلك بعد أن استشار ركن الدين بيبرس الذي قال: «أرى أن نقتل الرسل الأربعة ونقصد كتبغا قائد المغول متضامنين، فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين».
معاهدة عكا
اجتمع قطز مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، وعبَّر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدلاً من أن ينتظرهم في مصر، وبعد نقاش طويل دار في المجلس العسكري، أُقرت خطة سيف الدين قطز في السير إلى فلسطين، وفي أثناء تجهيز الجيش قام قطز بجهود حثيثة لتمهيد طريق الجيش للقاء التتار، فقد كانت هناك أجزاء من فلسطين وساحل البحر الأبيض المتوسط محتلة من قبل الإمارات الصليبية، ومنها إمارات عكا وحيفا وصور وصيدا واللاذفية وأنطاكية، وكانت أقوى هذه الإمارات الصليبية هي إمارة عكا، وهذه الإمارة تقع على طريق قطز وجيشه إذا أراد أن يحارب التتار في فلسطين، كان التفكير في أن قتال الصليبيين في عكا سيؤثر سلباً على جيش الإسلام في مصر المتوجه لفلسطين، وفي نفس الوقت لا يستطيع قطز أن يحارب التتار في فلسطين دون الانتهاء من مشكلة الصليبيين في عكا، وجد قطز أن أفضل الحلول هو الإسراع بعقد معاهدة مع الصليبيين في عكا قبل أن يتحالف التتار معهم،
قام قطز بإرسال سفارة إلى عكا للتباحث حول إمكانية عقد معاهدة سلام مؤقتة بين المسلمين والصليبيين، كان الهدف من المعاهدة هي تحييد جيش الصليبيين من جهه، وتأمين ظهر جيش مصر من جهة أخرى، جلس وفد قطز مع الأمراء الصليبيين للتباحث في أمر الهدنة، كان الصليبيين يخافون ألاّ يظفروا من المسلمين بعهد فيتقلب عليهم المسلمين، ولذلك تقبلوا فكرة الهدنة بسرعة، وقبِل الطرفان فكرة الهدنة المؤقتة،
وأصر الوفد المسلم على أن تكون هذه الهدنة هدنة مؤقتة تنتهي بانتهاء حرب التتار، ومما اتفق عليه في الهدنة أن أي خيانة تحصل من قبل الصليبيين فسيترك المسلمين قتال التتار ويتوجهون إلى عكا لتحريرها، وأنه في حال انتصار المسلمين في قتال التتار فسيبيع المسلمون خيول التتار من أهل عكا بأسعار زهيدة، في حين تعهد الصليبيين في عكا بأن يسهموا في إمداد جيش المسلمين بالمؤن والطعام أثناء تواجده في فلسطين.
معركة غزة
بدأ جيش المسلمين في مصر بالتجمع في منطقة الصالحية (تقع الآن في محافظة الشرقية)، وهي منطقة صحراوية واسعة تستوعب الفرق العسكرية المختلفة، ثم توجه قطز بجيشه إلى سيناء، ثم سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط، كان هذا التحرّك في أوائل شعبان 658 هـ / يوليو 1260م،
كان قطز يتحرك على شكل الخطة التي سيواجه التتار بها، حيث أنه لا يتحرك إلاّ وقد رتّب جيشه بالترتيب الذي سيقاتل به العدو لو حدث قتال، وقد وضع على مقدمة جيشه ركن الدين بيبرس ليكون أول من يصطدم بالتتار، وكان سيف الدين قطز قد سلك في ترتيب جيشه خطةً جديدة، حيث كون في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبياً على رأسها بيبرس، وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيراً عن بقية الجيش التي تسير خلفها، وتظهر نفسها في تحركاتها، بينما يتخفي بقية الجيش في تحركاته، فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش، فيكون استعدادهم على هذا الأساس، ثم يظهر بعد ذلك قطز على رأس الجيش الأساسي، وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له،
اجتاز بيبرس سيناء في 15 رجب 658 هـ / 26 يوليو 1260م، ودخل فلسطين وتبعه قطز بعد ذلك في سيره، واجتازوا رفح وخان يونس ودير البلح واقتربوا من غزة التي احتلها التتار في اجتياحهم للشام، اكتشفت عيون التتار مقدمة الجيش الإسلامي، واعتقدوا أن هذا هو جيش المسلمين كله، ونُقلت الأخبار إلى حامية غزة التترية، وأسرعت الحامية التترية للقاء بيبرس، وتم بينهما قتال سريع، جرى هذا القتال وجيش قطز الرئيسي ما زال يعبر حدود سيناء متوجهاً إلى غزة، وكانت مقدمة الجيش بقيادة ركن الدين بيبرس مقدمة قوية وقائدها قائد بارع، والحامية التترية في غزة صغيرة نسبياً، وجيش المغول الرئيسي بقيادة كتبغا على مسافة كبيرة من غزة حيث يربض في سهل البقاع، فتم اللقاء في غزة بمعزل عن الجيوش الرئيسية للمسلمين والتتار، واستطاعت مقدمة جيش المسلمين أن تنتصر في هذه الموقعة الصغيرة، التي قُتل فيها بعض جنود الحامية التترية، وفرّ الباقون في اتجاه الشمال لينقلوا الأخبار إلى كتبغا.
يت-----بع
التجمع العربى للقوميين الجدد