( زيارة سلطان و قصة شارع )
* الحدث : زيارة السلطان العثماني عبد العزيز الأول ل مصر
* الزمان : شوال 1279 - أبريل 1863
* حاكم مصر في ذلك الحين : الوالي إسماعيل باشا " الخديوي إسماعيل فيما بعد "
* تفاصيل الزيارة :
- الجمعة 3 أبريل 1863 : استقل السلطان عبد العزيز و معه ابنه الأمير يوسف عز الدين و وزير الحربية فؤاد باشا و وزير البحرية القبطان محمد باشا و حاشية إمبراطورية كبيرة اليخت السلطاني " فيض جهاد " و استقل وراءهم عدد كبير من الياورانات و الضباط و الموظفين سفنا عثمانية أخرى و أبحر الجميع من الآستانة متجهين إلى مصر و واليها الجديد الذي لم يكن قد مضي علي ولايته سوي أقل من 3 شهور ( الوالي إسماعيل باشا " الخديوي إسماعيل فيما بعد " ) الذي بدأ ولايته في 18 يناير من نفس العام 1863
- الثلاثاء 7 أبريل 1863 : وصل السلطان عبد العزيز إلي الإسكندرية و استقبله الخديوي إسماعيل على يخته بميناء الإسكندرية و احتفت المدفعية باستقباله . كما دوت أصوات المستقبلين بهتافاتهم " باديشاميز تشوك باشا " أي يعيش السلطان .
- الخميس 9 أبريل 1863 : استقل السلطان عبد العزيز القطار الذي أعد ليقله إلى القاهرة . و حين وصل استقر بقصر الجوهرة بالقلعة .
- الجمعة 10 أبريل 1863 : صلى السلطان عبد العزيز صلاة الجمعة بجامع محمد علي باشا و زار ضريحه الموجود هناك . و عقب عودة السلطان عبد العزيز إلى قصر الجوهرة تقرر أن تستقبله وفود من كبار الشخصيات و العلماء فاختار الخديوي إسماعيل أربعة من كبار علماء الأزهر الشريف للمثول بين يدي السلطان و الإعراب له عن ولائهم . و لم يكن هؤلاء العلماء على دراية بالتقاليد الرسمية المتبعة في موقف كهذا لذلك أمر الوالي إسماعيل " الخديوي إسماعيل فيما بعد " قاضي القضاة التركي أن يعلم هؤلاء العلماء الأربعة واجبات المثول بين يدي السلطان و كان العلماء الأربعة هم : السيد مصطفى العروسي شيخ الجامع الأزهر و الشيخ السقا و الشيخ عليش و الشيخ حسن العدوي الحمزاوي . و كان أولهم و ثانيهم من دواهي الرجال و ثالثهم من المتصوفين أما الشيخ العدوي فكان لديه من الورع و التوكل على الله ما يجعله لا يهاب العظمة البشرية . كان قاضي القضاة قد أخبرهم أن المقابلة ستكون في قاعة يقف السلطان في صدرها على منصة مرتفعة عن الأرض قليلاً بينها و بين باقي القاعة حاجز مفتوح من وسطه و أنه ينبغي عليهم إذا ما وصلوا إلى الباب و رأوا السلطان أن ينحنوا انحناءا عظيما و يسلموا عليه بكلتا اليدين ثم يتقدم كل منهم نحو فتحة الحاجز بخطوات ثابتة حتى إذا صاروا أمامها كرر الانحناء و التسليم و يقف أو يرد السلطان عليه تحيته فيعيد حينئذ الانحناء و التسليم مرة أخرى ثم يتراجع و وجهه إلى السلطان إلى أن يصل إلى باب الدخول فيكرر الانحناء و التسليم ثم ينصرف مثلما دخل حتى يتوارى عن نظر السلطان . و عندما حان دورهم في المقابلة دخل الشيخ العروسي أولا فالشيخ السقا بعده ثم الشيخ عليش و فعل كل منهم ما سبق أن طلبه منهم قاضى القضاة . و كان الوالي إسماعيل " الخديوي إسماعيل فيما بعد " يقف وراء السلطان بمسافة و عينه تراقب ما يحدث فأعجب بإتقانهم الدرس الذي ألقي عليهم . ثم جاء دور الشيخ العدوي فدخل هذا العالم الجليل و اتجه نحو السلطان بمشيته العادية و تقدم بخطى ثابتة حتى وصل إلى الحاجز و جاوزه و صعد إلى المنصة التي كان السلطان واقفا عليها و توجه إليه بالحديث قائلاً : " السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله . فابتسم السلطان عبد العزيز ابتسامة لطيفة و رد على الشيخ العدوي تحيته و قام الشيخ العدوي بمخاطبة السلطان خطابا حول واجبات السلطان نحو رعاياه و فيما يجب على أمير المؤمنين كخليفة لرسول الله صلي الله عليه و سلم و هول المسئولية الملقاة على السلطان و أكد له أن ثوابه سيكون بمقدار ثقل المسئولية . كما أن عقابه عند الله تعالى سيكون على قدر إهماله واجباتها . . و لم ير الوالي إسماعيل على وجه السلطان علامات الغضب مطلقا بل وجد ملامحه مرتاحة إلى كلام ذلك الشيخ . أما الشيخ العدوي فبمجرد أن فرغ من حديثه للسلطان ألقى السلام على السلطان ثم خرج من مجلس السلطان بوجهه لا بظهره كسابقيه و سبحته بيده فوجد زملاءه بانتظاره على الباب يلومونه على فعلته فقال لهم : " أما أنا فقد قابلت أمير المؤمنين و أما أنتم فكأنكم قابلتم صنما وكأنكم عبدتم وثنا ". و قد سأل السلطان عبد العزيز الوالي إسماعيل عن هذا الشيخ فأجابه : " هذا الشيخ من أفاضل العلماء و أستميح جلالتكم عفوا عن سقطته " فرد السلطان : " كلا . بل إني لم أنشرح لمقابلة أحد انشراحي إلى مقابلته " و أمر بمنح الشيخ العدوي خلعة سنية و مبلغا من المال . "
- السبت 11 أبريل 1863 : الموافق 22 شوال 1279 هجرية كان يوم إرسال المحمل المصري إلى الحجاز فتقرر أن يرأس السلطان عبد العزيز بنفسه الحفلة السنوية المعتادة . تم اتخاذ كافة التدابير اللازمة لإنجاح هذه المناسبة لأنه لم يسبق لسلطان عثماني أن ترأس مثلها منذ عهد السلطان سليم الأول ( طبعا معروف أن السلطان سليم الأول دخل مصر فاتحا عام 1517 . و علي فكرة السلطان عبد العزيز هو أول سلطان عثماني يزور مصر بعد السلطان سليم الأول ) . و بعد الانتهاء من حفلة المحمل توجه السلطان عبد العزيز لزيارة مساجد آل البيت و غيرها و كان العامة من سكان القاهرة كلما مر بجموعهم المحتشدة صاحوا : " الفاتحة لمولانا السلطان " فينظر إليهم كأنه يحييهم . ثم عاد من جولته فتناول طعام الغداء في سراي الجزيرة و أبدى رغبته في رؤية أبناء الوالي إسماعيل فأرسل الوالي إسماعيل من أحضرهم من قصرهم بالمنيل في جزيرة الروضة حيث كانوا منقطعين إلى علومهم بعيدا عن المؤثرات الخارجية فأعجب السلطان بذكائهم و شجعهم على الاستمرار في دروسهم ليكونوا قرة عين أبيهم و فخر مصر و خير أحفاد للرجلين العظيمينمحمد علي باشا و إبراهيم باشا . ثم عاد السلطان إلى القلعة و أظهر ل الوالي إسماعيل رغبته في الإقامة بمصر عدة أيام أخرى و طلب منه الاكتفاء بما عمل من الزينات و الألعاب النارية و الامتناع عنها في الليالي التالية حرصا على راحة سكان القاهرة .
- الأحد 12 أبريل 1863 : أمر السلطان عبد العزيز " باش أغاه " راسم أغا ليحمل بطاقته لأميرات الأسرة العلوية" عقيلات محمد علي باشا و إبراهيم باشا و عباس باشا و سعيد باشا في قصورهن . و توجه السلطان عبد العزيز لزيارة الأمير حليم باشا في قصره الفخم بشبرا " قصر محمد علي باشا المشهور بفسقيته الرخامية البديعة الصنع " و قد قضى السلطان طيلة النهار و بعض المساء في تلك الروضة الغناء متجولاً بين رياحينها و أزهارها يتحدث مع حليم باشا و فؤاد باشا كبير مرافقيه عن زراعة البساتين ثم عن القناطر الخيرية و كان ولي عهده قد ذهب في ذلك اليوم لزيارتها في سفينة بخارية .
- الإثنين 13 أبريل 1863 : توجه السلطان عبد العزيز لزيارة متحف الآثار في بولاق و المصانع الكبيرة التي أقامها محمد علي باشا في ذلك الحي .
- الثلاثاء 14 أبريل 1863 : قرر السلطان عبد العزيز زيارة الأهرامات فذهب معه أمراء البيت العثماني و أمراء الأسرة العلوية و بعد أن عبروا النيل إلى شاطئه الغربي عند الجيزة ركب السلطان عربة مفتوحة تجرها أربعة من الجياد و ركب وراءه الوالي إسماعيل باشا و فؤاد باشا في عربة أخرى و امتطى الباقون خيولهم فسار الموكب حتى بلغ الأهرام حيث كانت موائد الطعام قد أعدت فاستراح الجميع ثم تناولوا الطعام و بعد ذلك أخذ السلطان يتجول في المنطقة و يستفهم من مرافقيه عن تاريخ تلك الأهرام و من بناها من حكام مصر الأقدمين . و عندما حانت ساعة الغروب عاد الموكب السلطاني إلى الجيزة ثم رجع السلطان إلى القلعة .
- الأربعاء 15 أبريل 1863 : جعل يوم راحة و خصص لتجهيز الأمتعة و الاستعداد للسفر إلى الإسكندرية .
- الخميس 16 أبريل 1863 : غادر السلطان عبد العزيز القلعة حيث مقر إقامته ب قصر الجوهرة في الساعة العاشرة صباحا فدوت المدافع مؤذنة برحيله و أخذ الموكب السلطاني طريقه إلى قصر النيل ثم أقله قطار خاص بصحبة الوالي إسماعيل باشا إلى الإسكندرية .
- الجمعة 17 أبريل 1863 : الإسكندرية تودع السلطان عبد العزيز في احتفال كبير أقامه الوالي إسماعيل باشا .
( انقضت الزيارة السلطانية لمصر و في 8 يونيه من العام 1867 أنعم السلطان عبد العزيز علي الوالي إسماعيل باشا ب لقب الخديوي ليصبح " الخديوي إسماعيل " و في العام 1870 شق الخديوي إسماعيل شارعا يمتد من ميدان العتبة الخضراء إلى قصر عابدين و أطلق عليه اسم السلطان عبد العزيز ليعرف باسم " شارع عبد العزيز " إحياءا لذكري زيارة السلطان عبد العزيز ل مصر في العام 1863 . و لم يكد يمضي على تلك الزيارة سوى ثلاث عشرة سنة (و تحديدا في 30 مايو 1876 ) إلا و يتم خلع السلطان عبد العزيز عن عرشه ( ليخلفه السلطان مراد الخامس ) ثم يتم قتل السلطان عبد العزيز بعد خلعه بخمسة أيام .. ثم لا تمضي ست عشرة سنة و بضعة أشهر " و تحديدا في 26 يونيه 1879 إلا و يصدر فرمان من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بخلع الخديوي إسماعيل فيخرج منفيًّا من مصر إلى نابولي بإيطاليا و استقر به المقام في تركيا التي توفي بها في 2 مارس من العام 1895 )