قصة «فرغلي باشا» في توطيد العلاقة بين عبدالناصر وروسيا: صادرت «الثورة» أملاكه
علاقة قوية حظيت بها مصر مع الاتحاد السوفيتي طوال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واستمرت حتى قام خليفته الرئيس الراحل أنور السادات بطرد الخبراء السوفييت من مصر قبل اندلاع حرب أكتوبر، تلك العلاقة التي ربما يلوح في الأفق في نظر البعض عودتها مع تقارب القاهرة وموسكو مؤخرًا بشكل جديد.
قليلون فقط يعرفون كيف نشأت تلك العلاقة من البداية، ولماذا اتّجهت مصر ناحية بلاد الجليد ولم تطلب الدعم من الأمريكان، ففي الأمر أسرار ومفاجآت وحقائق يكشفها في مذكراته المشير أحمد إسماعيل، آخر وزير حربية في تاريخ مصر، والتي نقلها الصحفي مجدي الجلاد في كتاب «مشير النصر».
«لا يعلم الكثيرون التاريخ الحقيقي لبداية لجوء مصر للاتحاد السوفيتي لشراء السلاح منه والتحرر من قبضة الغرب في هذا المجال»، بهذه الكلمات بدأ «إسماعيل» روايته عن سر التقارب المصري الروسي، ليوضح أن الشغل الشاغل للرئيس جمال عبدالناصر حينها كان إيجاد مصدر جديد لشراء السلاح بعيدًا عن بريطانيا، لتتجه بوصلته ويوجه عينيه إلى الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية.
«حاول عبدالناصر كثيرًا إقناع الولايات المتحدة ببيع السلاح لنا، ولكن كان الرفض دومًا موقف واشنطن. ومن هنا جاء التفكير في الاتحاد السوفيتي»، يقول «إسماعيل» في مذكراته، متابعًا: «وجاءت البداية عام 1955 عبر أحد رجال الأعمال الوطنيين، ويُدعى محمد أحمد فرغلي باشا، حيث أبلغه سفير الاتحاد السوفيتي في القاهرة باستعداد موسكو لبيع السلاح لمصر سرًا عبر وسيط لإخفاء الأمر عن الولايات المتحدة».
ورحب الرئيس بالفكرة، حسب رواية المشير الراحل، خاصة أنه «كان يعلم أن التعاون مع الاتحاد السوفيتي لم يكن بالفكرة الجديدة، فقد سبق لرئاسة أركان الجيش المصري التفكير فيه قبل قيام ثورة يوليو 1952 من خلال الفريق عزيز المصري».
ويستطرد «إسماعيل» في مذكراته: «هنا قرر الرئيس جمال عبدالناصر زيارة الفريق عزيز عثمان، وكان قد أُحيل للتقاعد، وأقنعه بتولي مهمة التفاوض مع السوفييت وتوطيد علاقة مصر بهم عبر تعيينه سفيرًا لمصر في موسكو، والحقيقي أن ثمار تلك الخطوة كانت شديدة الأهمية لمصر، وهو ما أثبتته الأيام، حيث أعلن المسؤولون السوفييت للسفير المصري استعداد موسكو لمساندة مصر ودعمها اقتصاديًا وعسكريًا لتحقيق استقلالها عن الغرب، وهكذا وصلت مصر أول شحنة سلاح سوفيتي في النصف الثاني من عام 1955 عبر تشيكوسلوفاكيا التي تم اختيارها كوسيط لصفقات السلاح بعيدًا عن أعين الولايات المتحدة، وقد أحاطت الصفقة السرية التامة، والتكتم الشديد من قبل الحكومتين المصرية والسوفيتية. ووقتها وقع اختيار الرئيس جمال عبدالناصر على تدريب الجنود والضباط في الجيش المصري على الأسلحة الجديدة».
ورغم السرية الشديدة التي أحاطت بأول صفقة سلاح سوفيتية تصل إلى مصر، تسرّب الخبر ووصل إلى إسرائيل، ما يعتقد المشير الراحل أنه كان «بداية تفكير إسرائيل في توجيه ضربة للقوات المسلحة المصرية لِوَأْد تقدمها. ومن هنا كان قرار إسرائيل المشاركة في العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956».
ويلقي المشير الراحل في مذكراته الضوء على ما تعرّض له رجل الأعمال، محمد أحمد فرغلي باشا، لاحقًا بعد لعبه دور الوسيط في التواصل بين موسكو والقاهرة، موضحًا: «أمّمت الثورة ممتلكاته فيما بعد ووضعته تحت الحراسة».
--------------------------------------
.