يواجه البشر تحديات وجودية على مر السنين، وفي كل مرة يطورون طرق عيشهم وفق ظروفهم ويتكيفون مع بيئاتهم، ولعل ما حققته الحضارة البشرية من تراكم مادي ورمزي في القرنين الماضيين فقط، ربما يعادل حضارة الإنسان منذ ولادته، لكن هذا الأمر كان له تداعيات مرتدة على حياة البشر أنفسهم، إذ لم تسمح الفترة القصيرة التي تمت فيها التحولات الهائلة والجذرية في بعض الأحيان في نمط عيش الإنسان إلى بلورة ميكانيزمات تطورية للتكيف مع الأوضاع الجديدة والمتسارعة والمتغيرة باستمرار.
والجانب النفسي للأفراد عادة ما يكون المرآة الأولى لانعكاس آثار تلك التحولات، والتي تستدعي تكيفا نوعيا للانسجام معها دون الهروب من الواقع، فلا أحد منا على كل حال يرغب في العودة إلى الأدغال ويعيش كما عاش أسلافنا.
التشتت الذهني
التشتت هو إحدى أهم السمات النفسية التي بدأت تغزو البشر في عصرنا الجديد، بفعل انتشار شبكة الإنترنت ووفرة الخيارات والمواد المتاحة أمامنا بشكل لم تعهده البشرية من قبل، ما يشكل تحديًا أمام عقولنا التي اعتادت التركيز طوال التاريخ في سياق بيئات بسيطة وخيارات محدودة.
ولاسترجاع لياقة تركيزنا دون الهروب من الواقع المعقد الذي يحاصرنا، ينصح خبراء علم النفس بالابتعاد عن الإنترنت في الأوقات غير الضرورية، وتخصيص نصف ساعة صباحا، لتدوين أولويات يومنا، ونصف ساعة أخرى مساء لتقييم أعمال اليوم والاسترخاء قبل النوم.
تراجع الاهتمام بالجسد
في عصرنا اليوم، نحظى بمظاهر الراحة ومعظم الأعمال الشاقة نستعين للقيام بها بالآلات والتكنولوجيا، وأصبح العقل محور الرأس المال البشري بدل الجسد كما كان قديما، ومن ثم تراجع دور الجسد في ممارسة أنشطتنا اليومية، ما يؤثر بشكل سلبي على صحتنا.
من هنا ظهرت فكرة “الرياضة” باعتبارها نشاطًا يركز على رعاية الجسم ذاته، مثلما تساعد عادات الأكل الصحية بالإضافة إلى الرعاية الطبية في الوصول إلى جسد سليم، ما قد ينعكس إيجابا على صحتنا النفسية.
ضعف التعاطف
تبث وسائل الإعلام كل يوم بالصوت والصورة مشاهد الدمار والجثث الملقاة والدماء المتناثرة، فضلا عن مظاهر الفقر والمرض والمشكلات الاجتماعية، وأمام هذا السيل الجارف والمستمر من الأخبار الصادمة التي يتعرض لها المرء، يلجأ الفرد إلى حيلة “التطبيع والتقبل” مع مثل تلك المشاهد، تجنبا للشعور بالعجز والإحساس بمعاناة الآخرين، مما يفقد المرء تدريجيا قدرته على التعاطف مع الآخرين الذين قد يعانون من مشكلة ما.
والقدرة على التعاطف هي إحدى السمات التي تميز البشر عن مملكة الحيوانات، ومن ثم تكتسي المشاركة في الأعمال التطوعية سواء كانت محلية أو دولية أهميةً في الحفاظ على هذه القيمة الإنسانية، وهكذا يمكن للمرء أن يتجاوز الشعور بمعاناة الآخر إلى الفعل للتخفيف عنه.
نقص التفاعل الاجتماعي المباشر
البشر هم كائنات اجتماعية، وقد طوروا على مر السنين طرقا ورموزًا وأدوات للتواصل فيما بينهم، وجاءت تكنولوجيا الإنترنت لتصل بالبشرية إلى مستوى التواصل الافتراضي متجاوزة حدود الزمان والمكان والأشخاص، إلا أن ذلك لم يتحقق بدون ضريبة، حيث أصبح الناس حاليا يقضون أوقاتا مديدة في العالم الافتراضي، ويغفلون بشكل متزايد الحياة الاجتماعية، ما يؤدي إلى اضمحلال القدرات الاجتماعية على مستوى التواصل الوجهي.
لذا فإن حضور المناسبات الاجتماعية وتخصيص أوقات كافية للعائلة والأصدقاء للتحادث ومشاركة الأنشطة ليس مضيعة للوقت كما قد تعتقد، بل يوفر لك رابطًا قويًا بواقع الحياة الإنسانية بمعانيها الحقيقية.
الإدمان الإلكتروني
في ألفيتنا الجديدة ظهرت أنواع غير تقليدية من الإدمان، حيث تحفل البيئة الرقمية بمواد قابلة للإدمان، ربما تكون المواقع الإباحية أو مواقع التواصل الاجتماعي أو ربما يكون هذا الإدمان ممثلا في الولع المبالغ بالأدوات التقنية ذاتها (الهواتف الذكية) أو شبكة الإنترنت نفسها.
ومن شأن الاستعانة بتطبيقات تنظيم وقت تصفحك للإنترنت مساعدتك على التعامل بشكل أفضل مع مواد الشبكة، تجنبا للإدمان وفي نفس الوقت لتصفحٍ منتج، نقترح هذين التطبيقين، من هنا، ومن هنا أيضًا.
نقص النوم
نحن نعيش في عصر يتسم بالنشاط ليل نهار، فهناك التغطية الإخبارية الدائمة والمحينة على مدار اليوم، والمتاجر والأسواق مفتوحة بشكل مستمر كذلك أو على الأقل في بعض المناطق لوقت متأخر جدًّا، كما أن خدمة الهاتف والإنترنت لا تتوقف طوال الوقت، بالإضافة إلى ساعات العمل الطويلة والمناوبات الليلية، كل ذلك تسبب في اقتطاع ساعات من نومنا، وجعل الأخير في ذيل قائمة أولوياتنا.
بفضل اختراع المصباح تمكن البشر من التغلب على الظلام، لكن في نفس الوقت البشر محتاجون للنوم لتجنب تداعيات الحرمان السلبية، ولذلك فمن الضروري الحصول على قسط مريح من النوم ليلا بعيدا عن التلوث الضوئي والإلكتروني.
لا وقت للترفيه
يتسبب إيقاع الحياة المتسارع لتحصيل المزيد من كل شيء في إدخال الفرد في دوامة مشاغل وضغط لا محدودة، فيصبح في نهاية المطاف مجرد آلة تقوم بعمل ما بشكل روتيني، دون اعتبار للحاجة إلى الترفيه، كغريزة متأصلة في الإنسان، وتشاركه فيها مجموعة من الكائنات الأخرى، الأمر الذي ينقص من جرعة الاستمتاع بالحياة.
لا بأس إذن من تخصيص أوقات منتظمة لأنشطة تبعث على الانتعاش والاستمتاع، مثل مشاركة هوايات مفضلة مع الأصدقاء، والقيام برحلات إلى الأماكن الرائعة، والتمشي بين الحدائق والمساحات الخضراء، علاوة على الاهتمام أكثر بالحاجات البشرية الطبيعية (الطعام والشرب، النوم، الجنس، الأمان).
طغيان الجانب المادي على الحياة
في عصر الشركات العابرة للقارات ورؤوس الأموال الضخمة والأنشطة الاقتصادية الفائضة، يتم سلعنة كل شيء تقريبا، حتى صار الجفاف المعنوي والخواء الروحي يلف حياة الأفراد.
ومن ثم فإن الاهتمام بالحياة العاطفية، والعثور على جانب روحي في معتقد ما؛ له وظيفة سحرية في تحمل الضغوطات المتزايدة وفي إضفاء سمات أكثر إنسانية على الحياة.
الاكتئاب
تزداد الحياة تعقيدا وتزداد مشاغل الحياة يوما بعد يوم، وفي ظل النظام المعولم الذي نحياه يشعر الفرد بالانسحاق واللاقيمة أمام النظم الاقتصادية والسياسية الضخمة والصارمة، ما يزيد احتمالات السقوط في براثين الاكتئاب؛ الاضطراب الذي يسود الحياة أمام صاحبه ويمنعه من الاستمتاع بالعيش.
ومن أجل حياة أكثر إشراقا وسعادة، وضعت المجلة العلمية المتخصصة “نيو ساينتيست” حزمة نصائح مبنية على دراسات، نذكرها كالآتي:
اجنِ مزيدًا من المال الكافي.
اكبح رغباتك المبالغ فيها.
لا تقلق إذا لم تكن نابغًا فليس للسعادة علاقة بالذكاء.
جيناتك تحدد مدى سعادتك، فاستغلها إلى أقصى حد.
خلق بيئة محفزة على السعادة تزيد سعادتك.
توقف عن مقارنة مظهرك بالآخرين وآمن بأنك تبدو رائعا.
كون صداقات وقدر قيمتها.
تزوج.
آمن بالله (أو بمنظومة معتقدات).
أحسن إلى الآخرين.
تقبل كبار السن بصدر رحب وتعلم منهم السعادة.
تقبلوا احترامي