بسم الله الرحمن الرحيم
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:
( من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وغضب الله عليه وسقاه من نهر الخبال ) قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخبال؟ قال: نهر يجري من صديد أهل النار. (1)
المعروف أن تناول الخمر اصطبغ بمفاهيم متناقضة عبر العصور والبيئات الثقافية، فلقد رسخ في وجدان بعض الناس أن الخمر تجعل المتعاطي أكثر فحولة وشجاعة في الحياة حتى أن الفرنسيين يقولون مثلا شعبيا: «الخمر للرجال، والماء للضفادع»، وقد يقبل المتعاطي على الخمر لدفع الفشل في الحب أو في الزواج، وهو يفعل ذلك بدعوى النسيان، والبعض يقصد من التعاطي أن يزكي الرغبة الجنسية، وأن تكون له قدرة جنسية أكبر.
وتحاط الخمر بهالة فلكلورية لها تأثيرها الخاص في جذب المتعاطين، ولشخصية المتعاطي دور في تحديد هذا التأثير واستجلابه، كما تعمل بعض وسائل الإعلام المختلفة وخاصة السينما على نشر التعاطي، فتجعل المتعاطي يبدو في صورة زاهية وكأنه بطل، بما تضفي عليه من التحدي والتمرد والتحرر، وترتبط هذه الصورة في ذهن الشباب بالمتعة الجنسية وكسر التقاليد والقيود.
والخمر برغم أن الكثيرين لا يضعونها في مستوى خطورة عقاقير مثل الهيروين، إلا أنها مثل بقية العقاقير التي يعتاد عليها الجسم وقد يدمنها، وهي من أكثر العقاقير من حيث سوء الاستخدام، وما يجعلها أكثر خطورة من المخدرات أنها مباحة في العالم كله تقريبا ويقدمها الناس في المناسبات وفي الزيارات إظهارا للتودد والكرم، وقد يضطر البعض إلى تناولها تجاوبا مع لطف أصحابها، ومع استمرار تناول الأنخاب في الاحتفالات تزيد الجرعات وتكون لها تأثيرات غاية في الضرر جسديا ونفسيا واجتماعيا، وكثيرا ما يرجع سبب العنة عند الرجال في منتصف العمر إلى إدمان الخمر، وقد تبين من البحوث أن المدمنين يعانون غالبا من تدني عدد الحيوانات المنوية في المني إلى أدنى حد، وتذكر التقارير أن 8% من المدمنين يعانون العنة، وفي حالة علاجهم من الإدمان استمرت العنة مع نصف هذا العدد نتيجة التلف الذي استحدثته الخمر.
ورغم أن للعنة أسبابها النفسية والفسيولوجية، إلا أن للتعاطي تأثيره ومردوده البدني والنفسي أيضا. فقد تبين أن الإفراط في التعاطي يؤثر في أيض هرمون التستوستيرون ويخفضه في الدم، وتكون له تأثيرات على البنية ومظهر الذكورة والسلوك، وقد يكون المتعاطي أجبن من أن يخاطب امرأة بعينها فيستطيع ذلك بعد أن يحتسي بضعة كؤوس من الخمر.
وربما يكون المتعاطي شاذا ويستشعر ميولا عاطفية لا يصرح بها فيجهر بها مع الخمر. فالخمر ترفع الكلفة وتخفف السيطرة على السلوك والتصرفات ويكون المرء مستهترا مع نفسه. وهي تغيب العقل أو تستره وكأنها تسدل عليه خمارا, ومن ثم فقد تختلط الأمور على المتعاطي، ويفقد القدرة على التمييز وتسفر الغريزة الجنسية.
ويصف شكسبير وصفا رائعا تأثير الخمر على المتعاطي على لسان (ماكدوف) في مسرحية «ماكبث»، حيث يسأل محدثه ما هي المسائل الثلاث التي تستحدثها الخمر؟ فيقول: إنها لا تجعلك تميز، وتبعث على النوم، وتدر البول، ثم يردف قائلا: "إنها يا سيدي تستحث الرغبة ولكنها تفقدك القدرة على القيام بما تقتضيه هذه الرغبة "
وبالرغم من أن المدمن على الكحول غالباً ما يستحوذ عليه شعور بالنشاط والحيوية، فإن الكحول يكون عادة محبطا للعزيمة ومكدراً لصفاء النفس مع إحداث تأثيرات تخديرية على الجهاز العصبي، والشعور بالقوة والنشاط يحدث عادة نتيجة لتحرر مراكز الأعصاب السفلى من سيطرة المراكز العصبية العليا الموجودة في المخ. وهذا يطلق العنان لحيوانية الإنسان ويحرره من قيود الخجل والأخلاق ويصبح في حالة اللامبالاة مع زيادة الشعور بالعظمة والثقة بالنفس وبالمقدرة المزيفة على تحمل المخاطر.
ومع ازدياد معدل الكحول في الدم يبدأ تأثيرها الكئيب بالانتشار في مراكز المخ التي تسيطر على التوازن الجسماني وتسبب اختلال التوازن في الكلام وعدم السيطرة على الأطراف لكن مثل هذا التأثير يختلف من شخص إلى آخر تبعاً لعوامل مختلفة كالحالة الصحية ووزن الجسم وكمية الغذاء في المعدة وسرعة تناولها وقوتها ونوعها، أيضا يحدث انهيار الحالة الأخلاقية لدى الشخص المدمن والتي تجلب معها آثاراً اجتماعية خطيرة منها الاعتداءات الجنسية والسلوك العدواني وحوادث المرور التي غالباً ما تؤدي إلى قتل البشر وزيادة حالات الانتحار والجرائم وما شابه ذلك.
وهناك فكرة خاطئة بين عامة الناس أن الخمر يزيد من قوة الشخص وقدرته وتهبه الشجاعة والجرأة فإذا به يعمل من الأعمال ما لا يستطيع أن يعملها بدونه. والحقيقة أنه يعمل ذلك وهو فاقد لشعوره وما تلك القدرة إلا وهم. وهذه القوة والشجاعة إنما هي العقل الذاهب والرأس الدائر .. وهي في الحقيقة أقل من طاقته الحقيقية الواعية.
هذا قليل من كثير حول مضار أم الخبائث, ولذلك فليس مستغربا ولا مستهجنا هذه الحملة الضروس التي شنها الإسلام الطاهر على الخمر مكمن الرجس، وأساس كل شر.
قال المباركفوري معلقا على هذا الحديث الجليل: والمعنى لم يكن له ثواب وإن برئ الذمة وسقط القضاء بأداء أركانه مع شرائطه كذا قالوا.
وقال النووي: إن لكل طاعة اعتبارين: ( أحدهما ) سقوط القضاء عن المؤدي، ( وثانيهما ) ترتيب حصول الثواب، فعبر عن عدم ترتيب الثواب بعدم قبول الصلاة انتهى. وخص الصلاة بالذكر لأنها سبب حرمتها أو لأنها أم الخبائث على ما رواه الدارقطني عن ابن عمر، كما أن الصلاة أم العبادات، كما قال الله تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت:45]، وقيل إنما خص الصلاة بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن، فإذا لم يقبل منها فلأن لا يقبل منها عبادة أصلاً كان أولى . ويتبادر إلى الفهم من قوله أربعين صباحاً أن المراد صلاة الصبح وهي أفضل الصلوات، ويحتمل أن يراد به اليوم أي صلاة أربعين يوماً (2)