بسم الله الرحمن الرحيم
كثير من الآباء حريص على تربية أولاده تربية سليمة، لا يرضى معها أن تشوش أخلاقهم وفعالهم من أي مؤثر خارجي، وتراه مانعاً لهم من الجلوس في الطرقات، واللعب خارج بيته في الساحات، وهذا هو غالب المجتمع فيما نظن إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، لكن ثمة قلة من الآباء تساهلوا في هذا الباب وتركوا أبنائهم يترددون على الشوارع، وأماكن تجمعاتهم، يلعبون الكرة ونحوها بحجة تحصيل مصلحة تفريغ الطاقة، أو انشغالاً منهم بأعمالهم الوظيفية أو لعدم تقديرهم حجم الخطر، ومصلحة تفريغ الطاقة بهذه الوسيلة ملغية أمام سيل الكبير من المفاسد الجنائية والأخلاقية والتربوية والاجتماعية وغيرها، ولا أبالغ حينما أحذر أمثال هؤلاء من هذه الظاهرة؛ إذ أثبت الواقع أن لها مفاسد كثيرة أحصيت منها بعد التتبع البسيط أكثر من عشرة مفاسد على سبيل الإيجاز وللمستقصي أن يجد أشمل من ذلك وأكثر، ومما أحصيته ما يلي:
1- يتعلم الابن من الشارع الكلمات البذيئة والفاحشة من لعن وسب وشتم وكذب وكل أقوال وأفعال سيئة، فمن يريد من ابنه أن يتعلم هذه المظاهر السيئة فليرسل ولده إلى مدرسة الشارع وسيتعلمها خلال أيام قلائل.
2- صعوبة في التربية يجدها الأب بسبب تأثير ثقافة الشارع عليه، ونحن في هذا العصر نعاني من نار وسائل التقنية الحديثة وآثارها على الجيل، فيأتي الشارع ويكمل الناقص، وربما يمارس فيه الابن المظاهر السيئة التي شاهدها في الأجهزة الحديثة.
3- أثبت الواقع أن اجتماع أبناء الحي في مكان واحد سبب لارتكاب الجرائم الجنائية من سرقة للبيوت أو المحلات التجارية أو السرقة من سيارات الجيران، أو الاعتداء عليها بتكسيرها ورميها بالحجارة ونحو ذلك، أو الاعتداء على المارة من نساء وضعاف أو عمالة أجنبية ورميهم بالحجارة، وكل ذلك حاصل، ومن أحب أن يُتهم ابنه بشيء من هذه الجرائم فليرسله إلى الشارع مع الأبناء المتجمعين في الساحات، ومن أراد السلامة فليمسك ولده في بيته.
4- أثبت الواقع أن اجتماع أبناء الحي يعتبر بداية لتعلم أو ارتكاب الجرائم الأخلاقية من لواط أو إعجاب أو أي شذوذ جنسي، نسأل الله السلامة والعافية.
5- ترك الابن يسرح في الشوارع ويمرح يجعله عرضة لسرقة أغراضه ومقتنياته الخاصة من جوال ونقود وغير ذلك، من شباب أكبر منه سناً من خارج الحي يسرقونه بالقوة ويهربون، ووقفت على حالات متعددة من ذلك.
6- ترك الابن يلعب في الشارع يجعله عرضة لابتزازه أو الاعتداء عليه أخلاقياً من بعض الشباب الوافدين على الحي لأغراض سيئة ومن ثم تصويرهم.
7- ترك الابن يخرج من البيت بغير حاجة وإطلاقه هكذا قد يكون أيضا عرضة لاختطافه من قبل عصابات منتشرة، لاسيما إن كان الابن وسيماً، ونسمع بين الفينة والأخرى ونقرأ في وسائل الإعلام عن حالات اختطاف لأطفال، ولا شك أن سببها الرئيس هو تركه يلعب في الشارع، وأول من يتحمل هذه المشكلة هو الأب المفرط والمضيع لابنه.
8- ترك أولياء الأمور أبناءهم يلعبون في ساحات الحي وطرقه سبب لإيجاد التجمعات المشبوهة، وجلب الشباب المفسدين من خارج الحي الذين يترددون على الأحياء بسياراتهم المضللة لأغراض سيئة، وهذه ظاهرة يشتكي منها كثير من الأحياء وعلاجها بأن يمسك كل أب ابنه.
9- تجمعات أبنائنا في الحي سوق مناسبة لترويج المخدرات من الشباب المفسدين من خارج الحي أو داخله، وطرق إيقاعهم في شراكها سهلة ومعروفة.
10- ترك الابن يلعب في شوارع الحي سبب لتشويه صورة العائلة وسمعتها بين جيران الحي، وربما يقال عن ابنك (ابن فلان ابن شوارع أو عيال شوارع) وهذه عبارة لا يرضاها كل أب عاقل حريص على سمعة بيته بين جيرانه.
11- ترك الأبناء يلعبون في الشوارع سبب الخلاف والفرقة والقطيعة بين جيران الحي بسبب تنازع أبنائهم واعتداء بعضهم على بعض وضرب بعضهم بعضاً، وكثيراً ما يسبب الأبناء المشاكل بين الجيران والحرج لآبائهم، ولو أن كل أب حفظ ابنه لاستمر الود بين الجيران وانتفت القطيعة.
12- لعب الابن في الشوارع وكثرة مكثه فيها سبب لضعف تحصيله الدراسي، وغالباً ما تجد الولد كثير التردد على الشوارع ضعيف التحصيل العلمي، والولد الحريص على البقاء في البيت، البعيد عن أبناء الشوارع نابغة علمياً ومتفوق دراسياً.
13- ومن أعظم المفاسد إيذاء جيران الحي بلعبهم وصراخهم، وبيوت الجيران مليئة بمن يبحث عن الراحة والهدوء والسكون من مريض أو مرهق بسبب عمل أو كبير سن، وترك الأب ابنه يؤذي جيرانه ذنب عظيم وإثم كبير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث أبي هريرة " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"، وكما أنك لا ترضى من أحد أن يؤذيك فكذلك الناس لا يرضون أذية من أحد ( ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
هذه أهم المفاسد التي يقع بها أبناؤنا إن نحن فرطنا فيهم، وقد يوجد غيرها، وقد يقول بعض الآباء بأن بعض هذه المفاسد موجودة في المدارس، وعليه فلا نرسلهم إليها، والجواب عن هذه الشبهة بأن نقول أن هذا الكلام صحيح، لكنه ليس بالحجم الموجود في الشارع، ثم إن المدارس يقوم عليها أساتذة ومشرفون يتابعون الطلاب ويعالجون السلوكيات الخاطئة بخلاف الشوارع الخالية من الحسيب والرقيب، ثم إن على الأب الاجتهاد في اختيار المدرسة المتميزة لابنه، حتى يخفف من هذه السلوكيات.
ونحن هنا لا نقصد تعداد مفاسد المجتمع، (فإن من قال هلك الناس أهلكهم) وإنما نقصد تنبيه الغافل من الآباء وتجلية حقيقة الخطر المحاط بنا، ولا يخلو مجتمع من صالح ومفسد، وصديق صالح وصديق سوء، واسألوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهيئات التحقيق والادعاء عن تلك السلوكيات والمخاطر، فعندهم من القصص والأحدث والجرائم ما يشيب له الرأس، فهل ينتظر أحدنا أن يكون خبراً أو قصة تروى في مجالس الحي، أو ربما في وسائل الإعلام حتى يتعظ ويحتاط لابنه، وعليه فلا يحسن أن نسكت وندس رؤوسنا في التراب تحت ذريعة إحسان الظن والتفاؤل.
وأخيراً أهمس في أذن الأب الحريص الذي يريد تفريغ طاقة ابنه بأن يبادر هو في توفير البدائل المفيدة له في البيت أو خارجه، قبل أن يلقي باللائمة على المجتمع المحيط به أو المؤسسات الرسمية، فالناس ليسوا مسؤولين عن أبنائك، ولا أحد أعرف بحال الابن من أبيه، (وكلكم راع ومسؤول عن رعيته والأب راع ومسؤول عن رعيته)، والله تعالى أعلم.