رحلت أمي
فسكت الصوت الذي كان يترنم بتسابيح الملكوت ، وهاجر الطائر الذي كان يغرد بصوت السماء ، و فقدت المعاني بريقها , وفارقت السعادة أسبابها .
بموتك انهدم السقف يا أمي , وتمزقت مني الروح وتعرى الجسد .
أماه ... أواه ... يا ليلة عزاء طويلة ، فمن بعدك لم تعد النجوم على الأرض سوي مصابيح مأتم أقيم بليل ، أواه لو كنت أملك من عمري شيئا لأعطيتك إياه يا أمي ، فو الله لست أهلا بأن أطيق فراقك ساعة ، و لم أروض نفسي بعد علي أن أحيا ببعض نفس وبعض روح وبعض عقل .
سبحان ربي يا أمي الذي جعلك دنيا من خلقه هو ، وأسكن فيك معان من سره هو .
رحم الله يدا لا تعرف إلا البذل و العطاء ، وقلبا عامرا بالخير و الحب والصفح و الصفاء ، ووجها راضيا متبسما ...
أمي يا شيئا من روح الله و نورا من نوره ...
أمي يا ضحكة الكون .. و بكاء الأرض والسماء .
يجثو العالم كله على صدر ك يا أمي ، فإذا وضعت فيه رأسي كنت ملكا متوجا ، رضواك يا قُبلة الله التي حطت على جبيني فرسمت في وجهي معالم الحياة ، وقِبلتي التي أحمل إليها كل ما يحمله قلبي من سعادة وشقاء ...؛
فبرحيلك يا سيدة نساء الأرض ماتت القُبلة والقِبلة .
أي طعم للحياة بلا أمي ؟ والله إني لأعجب .. كيف يعشق الرجل امرأة غير أمه ...؛
أين حرارة اليد التي كانت تدفع عني برد الهم وتنفض غبار النكد ؟ أين الوجه الذي كنت أقرأ فيه تاريخي وأيام عمري ؟
لقد أدركت اليوم لماذا وضع الله مفتاح الجنة في يد أمي ، وجعلها تحت ثري قدميها ، لأنها في ذاتها جنة ...
يا إلهي ... رحماك بروح المسك و طيب العود ...؛
أي صغير في الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم ؟ وأي رجل – ولو كان ملكا – تهدأ نفسه إلا بين يدي أمه ؟ لو قيس كل نعيم الدنيا بفقد الأم فو الله ما ساوى شيئا ...
ماتت أمي ... حقيقة يدركها عقلي ، وتنكرها نفسي وروحي حتى ألقاها ... فبرحيلها رحل الكائن الذي كنت أملك فيه حق الشفعة و الرحمة ، وما عاد لي بعدها حق في أحد ...؛
أواه يا أمي ، أواه يا ذياك الوجع ...
غبت يا أمي فبدأت أيامي من الزمن ، وسيأتي كل غد محجبا مرهوبا ، إذ يأتي لي وحدي ، ويأتي وأنا وحدي .
لقد كُتبت على وجه كل فاقد لأمه عبارة ( رفقا بي ) ...!
اللهم بلغ أمي مني السلام ، واجزها عني خيرا ، وأجعل عملي الصالح في ميزان حسناتها ، وأ رزقها و إياي الجنة ، و أجمعني بها في مقعد صدقك و مستقر رحمتك يا رب ...
اللهم قد سلمت لك الروح ، وانقطعت الأسباب إلا سببا موصولا بك ، فاللهم أكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ، و أبدلها بدار خير من دارها ، و أهل خير من أهلها ، و أشفع لها ، و شفعها فينا ، و احشرها مع حبيبك و نبينا ، محمد صل الله عليه و علي آله وصحبه ومن والاه و بارك وسلم تسليما طيبا كثيرا مباركا فيه.
و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...
و إنا لله وإنا إليه راجعون ...
في ذمة الله يا أمي ، في معية الله يا حبة قلبي و حبيبته ...
اللهم إني لا أسألك لقضائك ردا ، و لكني أرجوك فيه رأفة و ثباتا و صبرا و لطفا ، و لا إله إلا الله وحده ، الحي الباقي الذي لا يموت
مصطفئ قادربوه