الأدب من حيث هو شكل فني يترك أثرا نفسيا وأخلاقيا وفكريا عميقا في نفس المتلقي. وهو يستعمل وسائل الاتصال المعتادة – اللغة والصورة والرمز والقصة – ولكنه يفعل ذلك بشكل أكثر تعقيدا وأكثر إيحاء مما يحدث في عملية الاتصال اليومية العادية. ويستفيد الأديب مما تتيح له مواهبه الفنية من معرفة بالشكل الفني والخبرة الحسية والإيقاع والتوكيد والتباين وغير ذلك من عناصر العملية الجمالية للأدب. ونرصد في ما يلي عددا من النظريات التي تبحث في معنى الأدب وأهدافه بالإضافة إلى كونه مصدرا من مصادر المتعة النفسية والعقلية.
يكتشف الأدب نواحي مختلفة من الخبرة الإنسانية بشكل جميل، ويجعلنا أكثر قدرة على الفهم والتفكير، ويمكننا من الغوص إلى أعماق ابعد في طبيعة الخبرة البشرية. ويوصف الأديب عموما بأنه يتمتع بنظرة ثاقبة وقدرة فريدة على الفهم. فهو يتأثر بما يمر به من خبرات حياتية تأثراً عميقاً، وهو قادر على استلهام هذه الخبرات في كتابته. وتتميز الكتابة الأدبية باستعمالها اللغة والصور البيانية والأفكار بشكل راق ودقيق. وإذا اقترن هذا مع خيال المتلقي الذكي والخصب فان هذا التفاعل بين الكاتب والقارئ يوجد عالماً متخيلاً ثرياً وعميقاً. يضاف إلى ذلك أن الأدب الذي يقوم في الأساس على إلقاء الضوء على ما في الحياة من تعقيد وتناقض ومفارقة يعكس عالماً ثرياً ومؤثراً. ويكتب الأدب في أشكال وأنواع وتقاليد مختلفة، ولهذا كله تاريخ طويل أسهم أدباء كبار في تطويره ورسم خطوطه. فالأدب يبني على ما سبقه من أدب، فيكون لبنة إضافية في تاريخ من الفكر والتعبير الجميل.
ويرسم الأديب عوالم ممكنة ولكنها متخيلة مما يجيز له أن يستخلص قواعد أساسية للطبيعة الإنسانية والطرق التي يتحرك بها العالم. ففي مسرحية ماكبث مثلا يكتشف شكسبير طبيعة الشر وتأثيره في حياة البشر وكيف أن الشر ينطوي على بذور دماره ودمار من يعملون به، وكيف أن الخير يؤكد نفسه في القلب البشري. فشكسبير هنا يرسم عالما بكل ما فيه من عناصر الشر والخير، وبكل ما فيه من صراع بين الجانبين.
ويستلهم الأدب الواقع ويعيد تقديمه بشكل مختلف. وهو يصور العوالم المادية والأخلاقية تصويرا مؤثرا بوسائل جمالية لها اثر كبير في الطريقة التي ننظر بها إلى العالم والحياة والى الخبرة الإنسانية ككل، الأمر الذي يفتح لنا المجال للتأمل والتدبر والتنظير والوصول إلى نتائج مرحلية في ما يتصل بالإنسان والكائنات الأخرى. ويؤثر الأدب فينا تأثيرا آنيا بما فيه من أصوات وإيقاعات ورمزية بما تثيره ألفاظه فينا من صور ذهنية وأخيلة.
ويقدم الأدب صورة للعالم كما يبدو للناس في مجتمع من المجتمعات. وبعبارة أخرى، نتعلم من الأديب الشيء الكثير عن كيفية فهم العالم والحياة في المجتمع الذي ينتمي إليه. فبالأدب نفهم ثقافة من الثقافات في مرحلة تاريخية معينة فهما يمكننا من مقارنتها مع غيرها من الثقافات في أماكن أخرى وفي حقب تاريخية أخرى، فنحصل على صورة مجسمة للإنسان على اختلاف ثقافاته وأعراقه وأجناسه وأساليب حياته وقيمه ومعتقداته ومواقفه مما يدور حوله من تطور في مجالات لا تعد ولا تحصى.
ويخلق الأدب عوالم متخيلة محددة ولذلك فهو يأخذ بيد القارئ إلى تأمل هذه العوالم بصورة أسهل مما تفعله الخبرة المباشرة. فالمتلقي يتمكن من دراسة عناصر هذه العوالم وطبيعة العلاقة في ما بينها وقيمتها في التشكيل العام لهذه العوالم. فيصبح المتلقي أكثر وعيا بالبيئة الثقافية التي يعيش فيها وأكثر فهما لقيمها ومعانيها وأكثر قدرة على تحليلها.
ويتفق كثير من علماء اللغة على أن قدرتنا على الفهم والتحليل والى حد ما الشعور تعتمد على قدرتنا على استعمال اللغة. واللغة هي وسيلة الأديب في إيصال فكره وفنه إلى الناس على نحو دقيق ومبتكر. ودراسة الأدب ترفع من قدرة الدارس على استعمال اللغة استعمالا دقيقا وجميلا. ويقول المؤلفون إن دراسة الأدب توفر للدارس فرصة لإدراك سلسلة من الأفكار والصور والرموز والمشاعر التي تشكل حياتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية في المجالات العامة والخاصة. ويمنح الأدب لغة للدارس تمكنه من التعبير عن خبراته الخاصة ووضع هذه الخبرات في إطار ثقافي وجمالي معبر.
يتعامل الأدب مع الفرد من حيث هو كائن اجتماعي. فنحن كأفراد نقوم بادوار اجتماعية تحدد ما نشعر به وما نقوم به من أفعال – كرجال ونساء وأطفال وآباء وأمهات وأصدقاء وغرباء إلى غير ذلك. ويدرس الأدب هذه الأدوار الاجتماعية ويجيز لنا أن نؤديها مع انها قد لا تكون متوفرة لنا في الحياة الواقعية. ليس هذا فحسب، بل إن دراسة الأدب بهذا المفهوم توفر لنا فرصة دراسة ما نقوم به من ادوار في حياتنا الواقعية على نحو أكثر وعياً وأكثر انتقادية. ويمكن أن نسمي هذا بالتأثير الأخلاقي للأدب: فبدراسة الأدب نطور شخصية أكثر قدرة على الاستجابة لإمكانيات العالم الذي نعيش فيه وأكثر قدرة على التعامل مع ما تفرضه الحياة والمجتمع علينا من قيود.
إن الأدب شكل من أشكال الخطاب الثقافي، ويقوم بعدة ادوار في الإطار الثقافي ككل. فهو يحدد الأسس والمعاني التي تقوم عليها القيم الإنسانية العامة، وبذلك يعزز الرموز الثقافية واللغوية التي تقوم عليها المجتمعات. والأدب – فوق هذا – يكثف الوضع الإنساني بما فيه من خيال وابتكار، ويكتشف الصراعات القيمية والعرقية والطبقية والدينية داخل الإطار الثقافي.