دماء «مريم 2013» تطارد الإرهاب مثل مطاردة «شيماء 1993».. لعنة دماء الطفلة «شيماء» ظلت تطارد الظواهرى 20 عاما.. وعرض دفع الدية لأهلها ليتخلص من الأزمة.. فمن سيعتذر لمريم؟
قبل 20 عاما حين لقيت شيماء عبدالحليم الطالبة ذات الـ12 عاما مصرعها أمام مدرسة المقريزى بمصر الجديدة أدرك تنظيم الجهاد – بنص اعترافات أيمن الظواهرى زعيمه آنذاك وزعيم القاعدة الآن – أنه سار إلى الهاوية وفقد أى حالة من التعاطف قد يحصل عليها من جانب المجتمع المصرى إلى الأبد مهما كانت انتهاكات أجهزة الأمن ضد التنظيم.. لكن الغريب أن قادة التنظيمات المماثلة لا يدركون اليوم أنهم يذهبون إلى نفس المصير الذى ذهب إليه تنظيم الجهاد بعد مقتل مريم عازر ذات الـ8 أعوام أمام كنيسة العذراء فى إمبابة.
ولمن لا يتذكر فإن شيماء عبدالحليم كانت طالبة فى مدرسة المقريزى الإعدادية بمصر الجديدة واغتالتها يد الإرهاب أثناء عملية نفذها تنظيم الجهاد كان يقصد بها اغتيال عاطف صدقى رئيس وزراء مصر وقتها وكانت تقريبا أول طفلة تسقط فى عملية تنفذها التنظيمات المسلحة أثناء مواجهتها مع الدولة، لكن اللافت فى الأمر أن حالة الصدمة التى أسفر عنها الحادث كانت نقطة فاصلة فى المواجهة مع الإرهاب ربما بفضل طريقة تعامل الدولة المصرية ووسائل الإعلام مع الحادث.
بعد أحداث 11 سبتمبر أصدر مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكى تقريرا هاما بعنوان «stealing al qaeda>s playbook» أو «سرقة قواعد اللعبة التى يمارسها تنظيم القاعدة»، كان هذا التقرير قائما على تحليل عدد من أبرز الكتب التى أصدرها مجموعة من أهم قيادات القاعدة، وهم أبوبكر ناجى وأيمن الظواهرى وأبوقتادة وأبومصعب السورى، وفى هذا التقرير اصطك المركز مصطلحا جديدا أصبح معروفا فيما بعد لكل المعنيين بدراسة ملف مواجهة الإرهاب على مستوى العالم، وهو «أثر شيماء» أو «shayma effect» والمقصود به هو الإشارة إلى تلك النقطة الفاصلة فى المواجهة مع الإرهاب فى مصر عام 1993، وكيف كانت هذه العملية هى القشة التى قصمت ظهر تنظيم الجهاد على المستوى الشعبى فى مصر.
التقرير قال نصاً، إن الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهتها مع الإرهاب لابد أن تستثمر قوة «أثر شيماء» خاصة، فى نشر صور الهجمات الجهادية التى قتلت أطفالا مسلمين، وأوصى كذلك بتمويل حملات الدعاية التى تركز على تحويل الرأى العام المسلم ضد الجهاديين، ولكن بصورة خفية جدا، وبأسلوب غير مباشر.
وكان مما ورد فى التقرير أن الجهاديين يحرصون على أن يظهروا أمام مجتمعاتهم فى صورة المواجه لبطش السلطة والهيمنة الغربية، ولذلك فإن العمليات التى تسفر عن قتل المدنيين «مدمرة» لهذه التنظيمات وتقود إلى فقدانها أى دعم بين المواطنين المسلمين.
ووفقا للتقرير فإن الخوف من أثر شيماء هو الذى يفسر لماذا سحبت القاعدة تأييدها لعملية تفجير 3 فنادق فى عمان، والتى نفذتها إحدى أذرعها الإقليمية بقيادة أبومصعب الزرقاوى فى نوفمبر 2005 نظرا لوفاة عدد كبير من المدنيين، وأشار إلى أن استطلاعات الرأى قبل هذا الحادث كانت تظهر أن %60 من الأردنيين لا يرون فى القاعدة تنظيما إرهابيا لكن بعد هذا الحادث كشفت الاستطلاعات أن %94 من الأردنيين يرون أن هذه التفجيرات ومنفذيها إرهابيون.
أما أيمن الظواهرى نفسه فقد كان «أثر شيماء» عليه رهيبا، فيكفى أنه أفرد مساحة فى اثنين من أبرز كتبه وهما «فرسان تحت راية النبى» و«التبرئة»، لشرح ملابسات الحادث وتفاصيله، أبدى خلالها أسفه الشديد وترحم عليها، ووصل الأمر إلى أنه عرض دفع الدية لوالديها كبادرة حسن نية منه، بحسب قوله.. شرح أيمن الظواهرى ملابسات الحادث قائلا:
وأضاف: «وقام إخواننا المنفذون للهجوم باستطلاع مكان الهجوم فوجدوا مدرسة تحت الإنشاء، فظنوها خالية من التلاميذ، فوضعوا أمامها السيارة الملغومة فى ساحة لانتظار السيارات باعتبار أن هذا المكان لن يصاب من تفجير السيارة فيه إلا موكب رئيس الوزراء، ولكن تبين - فيما بعد - أن الجزء الخارجى من المدرسة فقط هو الذى كان تحت التجديد، أما بقية المدرسة فكانت تعمل».
وتابع: «نجا رئيس الوزراء من الهجوم بخروج سيارته من دائرة الانفجار بأجزاء من الثانية، بعد أن أصابتها شظايا الانفجار، ولكن أصيبت فيه طفلة تدعى شيماء، كانت تلميذة فى المدرسة المجاورة، وكانت تقف قريبا من موقع الحادث».
وكان لافتا أن الظواهرى استخدم مصطلحات من عينة «رحمها الله»، وأبدى ألمه لسقوط شيماء، حيث قال: وقد آلمنا جميعا مقتل هذه الطفلة البريئة بدون قصد، كما حاول أن يوجد لنفسه المبررات مثل أن التنظيم بذل الجهد فى الأخذ بالأسباب والحذر من إصابة أى مسلمٍ، وأنهم أنذروا أفراد الشعب عدة مرات بأن يبتعدوا عن مقار أركان النظام ومساكنهم وطرق تحركهم.. ثم حاول أن يلقى باللائمة على أركان النظام الذين لا يتميزون فى مساكن ومكاتب ومواكب بعيدة عن الجمهور، ولكنهم يختلطون بهم.
وربما نقل الظواهرى عن أحد المتهمين فى القضية شيئا يرى أنه يلخص موقف الجهاد والقاعدة من حادث مقتل الشيماء، حيث قال: «قد لخص أخونا السيد صلاح هذا الموقف - عندما سئل فى تحقيق النيابة عن قتل الطفلة شيماء - بقوله: إنه يأسف لمقتل هذه الطفلة، ولكن الجهاد يجب ألا يتوقف».
ظل «أثر شيماء» يلاحق الظواهرى منذ 1993 وحتى الآن تقريبا، حيث اضطر إلى أن يصدر رسالة عام 1996 تحت عنوان «شفاء صدور المؤمنين» حاول فيها أن يجد مخرجا لأزمة قتل المدنيين فى مثل هذه الأحداث، حيث أشار إلى أن التنظيم اختار أداء الدية إلى أولياء القتيل باعتبار أن هذه هو أشد الآراء فى المسألة، بحسب تعبيره، ثم كرر هذا التعهد فى كتابه الشهير «فرسان تحت راية النبى» الذى نشر فى عام 2001، ثم وصل به الأمر إلى أن عرض أداء الدية على أهل شيماء فى كتاب «التبرئة» الذى صدر عام 2007.
واختار الظواهرى طريقة تحمل قدرا كبيرا من التدليس فى العرض الذى قدمه، لكنها تكشف عن اضطرابه الشديد ومحاولته التخلص من «أثر شيماء» بأى طريقة، حيث قال: «كان وكيلى الأستاذ محفوظ عزام المحامى قد رفع قضية أمام القضاء المصرى بموجب التوكيل العام الممنوح منى له، طالب فيها بتعويض عن التعذيب الذى وقع على فى السجن، وحكمت له المحكمة بتعويض قدره 3000 جنيه مصرى، وأخبرته وزارة الداخلية أن التعويض موجود فى مقر إدارة مباحث أمن الدولة، وإذا كان أيمن الظواهرى يريده فليأت لاستلامه!!».
وأضاف: «أنا أطلب من وكيلى الأستاذ محفوظ عزام المحامى أن يطالب إدارة أمن الدولة بتحويل هذا المبلغ لوالد شيماء، كمقدم للدية وبادرة حسن نية منى تجاهه، وأسأل الله أن يعيننا على أداء الباقى».
بعد كل هذه السنوات جاء اغتيال مريم عازر.. وحتى الآن لم تعلن جهة مسؤوليتها عن الجريمة.. لكن السؤال المعلق.. هل سيخرج من يعتذر عنها مثلما فعل الظواهرى.. وهل ستكون هذه الجريمة هى «أيقونة» مقاومة الإرهاب؟
المصدر منتديات القوميون الجدد