في ذكري ثـورة الفاتح العظيم

في مثل هذه الليلة منذ 47 كانت ليبيا على موعد مع ثورة يقـودها ضابط لم يتجاوز ال 27 من عمـره ، ثـورة غيرت التاريخ ومجريات الاحداث في ليبيا طيلة اربع عقود من الزمن .
كانت ثورة ولم تكن انقلاب عسكري لان معمر القذافي أسس لها و وضع اهدافها مع خلايا مدنية قبل ان يصبح ضابط في الجيش الليبي .
قصـة الثورة تعرفونها جيداً ولاداعي لسردها من جديد ولكن المهم هو بيان الحقائق التي لم يعرفها الشعب عن مسيرة الثورة والانجازات التي تحققت والانتكاسات التي حصلت وكيف تصرف العقيد لكي ينقذ الثورة ويحقق اهدافها .
ثورة الفاتح كانت ثـورة بيضاء لم تحتاج الي السلاح او إراقـة الدماء لكي تحقق كل اهدافها في البداية .
ولكن بعد شهرين فقط من قيامها تعرضت الثورة للتأمر عليها وصار من الضروري التفكير في حمايتها بقوانين صارمة .
مؤامرة عضو مجلس قيادة الثورة عمر المحيشي عام 75 كانت نقطة تحول في مسيرة الثورة فهذه المؤامرة كانت الاخطر والاكثر تخطيطاً وهي الضربة التي قسمت ظهر مجلس قيادة الثورة انذاك ، فالمحيشي كان احد الاعضاء البارزين في المجلس وتتفق افكاره مع كل الاعضاء فما الذي جعله يفكـر بعد ستة سنوات في الانقلاب عن الثورة والعودة الي المربع الاول ؟
من هنا عرف العقيد ان ثورة الفاتح لن يكتب لها تكملة المسيرة التاريخية او تحقيق أهدافها طالما رفاق السلاح نفسهم قد يتحولون الي خونة في يوم ما .
بعد ان فشل الانقلاب العسكري تحول التأمر على الثورة عن طريق الخلايا المدنية في الجامعات وظهر اليمين الرجعي المتعفن الذي استخدم كأداة للمطالبة بعودة الجيش الي ثكناته وتسليم السلطة الي المدنيين .
كانت احداث 7 ابريل من عام 76 مؤشر قوي للقيادة انذاك على ان التأمر لن يتوقف على الثورة
فكان الرد في عام 77 بالغاء مجلس قيادة الثورة واعلان قيام سلطة الشعب ، لتتحول البلاد من الحكم العسكري الي الادارة الشعبية " مؤتمر الشعب العام ، اللجنة الشعبية العامة "
بدأت معالم نظرية سلطة الشعب تتضح فالشعب هو من يقرر واللجان الشعبية هي من تنفذ وانحصر دور الجيش في الاشراف على المؤسسات العسكرية .
هذه الحقبة الزمنية شهدت بعض الاخطاء في تنفيذ قرارات الادارة الشعبية التي اتصفت بطابع ثوري فالدولة تحولت من القطاع الخاص فجأة الي القطاع العام في وقت لم تكن مستعدة فيه لهذا التحول السريع ، كما ان الزحوفات الثورية شابها الكثير من المظالم كما اشار القائد في خطابه الشهير بمدينة سبها عندما قال نحن قمنا بثورة من اجل اعادة الحقوق للشعب وليس لنزعها من الشعب وهناك فرق بين الاستغلال والملكية الخاصة ، اما ان تجعل الاستغلال هو التهمة الموجهة للجميع من اجل ان تسلب ارزاقهم فهذا يخالف الشرع والقانون في وقت واحد .
بعد ذلك كانت حقبة الثمانينات وهي حقبة اصعب من التي سبقتها فدخل النظام في مواجهات مع الزناذقة في الداخل ومواجهات مع الامريكان في الخارج .
امريكا صارت تنظر الي ليبيا بأنها العدو رقم واحد في الدول العربية من خلال الدور التي تقوم به في فلسطين ولبنان ومعاداة العدو الصهيوني وكذلك دعمها لحركات التحرر في كل دول العالم .
هذه الحقبة كانت الاصعب على الشعب الليبي فأسعار البترول كانت في الحضيض ودائرة المقاطعة للنظام كانت تتسع كل عام اكثر .
ومع هذا استطاعت الدولة التي تحملت كل شيء بعد الغاء القطاع الخاص ان تقوم بدروها في توفير حاجيات الناس بأسعار مدعومة من خلال المؤسسات والشركات والمنشأت العامة التي انشئت في تلك الفترة .
دخلنا الي حقبة التسعينات وكان قد مر على الثورة اكثر من عقدين من الزمـن لكن التأمر عن البلد وثورته لم ينته فاصطدم النظام بمؤامرة 93 والتي كان الهدف من وراءها ابعاد قبيلة ورفلة عن تحالفها مع النظام ، اصبح واضحاً ان المخابرات الاجنبية تعمل على تجريد النظام والثورة من انصارها في الداخل ، اعتقدت ان تفكيك النظام القبلي في ليبيا يمكن ان يساهم في اسقاط النظام وانتهاء الثورة في ليبيا .
فبعـد بني وليد كانت محاولة اغتيال القائد عام 96 في براك الشاطئ كما قال ديفيد شيلر العميل الذي انشق عن المخابرات الانجليزية ان الهدف من المؤامرة باستخدام اعضاء الجماعة المقاتلة كان اغتيال القذافي او ابعاد قبيلة المقارحة عن النظام في حالة فشل عملية الاغتيال .
بعد ذلك كانت محاولة خميس الغناي وخشيبة لإغتيال القائد والهدف هنا وصل الي تفكيك قبيلة القذاذفة نفسها من الداخل .
بالاضافة الي كل هذه الازمات الداخلية ظهرت أزمة لوكربي التي عقدت الموقف الدولي بشكل كامل ونتج عنها فرض حصار خانق على ليبيا
عشرة سنوات صعبة للغاية عاشها النظام يواجـه نوع جديد من التأمر ولولا حكمة قائده ورجاله الاوفياء لما استطاع تجاوز هذه المرحلة .
بعد تجاوز حقبة التسعينات بدأت الامور تتجه الي التهدئة والكثير من المشاكل وجد النظام الحلول الجذرية لها وهي المرحلة التي شهدت فيها البلاد استقرار كامل ومع عام 2007 وارتفاع اسعار النفط اصبحت الدولة تفكر في تطوير كل القطاعات من خلال التعاقد مع الشركات الكبري فكانت المشاريع السكنية ومشاريع البنية التحتية هي اهم اهداف الدولة .
اما الثورة فقد اخدت خطوتين للخلف لتترك المجال للدول بمؤسساتها المدنية ولم نعـد نسمع عن توجيهات القائد سوي في جلسات مؤتمر الشعب العام .
هذا السرد التاريخي لمراحل الثورة في ليبيا قد يجيبك عن سؤال لماذا تأخرت الكثير من القطاعات في ليبيا عن انجاز الكثير من المشروعات ولماذا توقفت المشاريع الكبري التي قامت في السنوات العشر الاولي بعد قيام الثورة .
فالدولة الليبية وان كانت تنعم بالآمن والامان ولكنها كانت تدفع ضريبة كبيرة جداً من خلال مواجهة مؤامرات لم تنته في سبيل اسقاط النظام والعودة بالبلد الي نقطة الصفر .
عموما من حق البعض ان يقول وماذا استفدنا نحن من كل هذه المواجهات والحروب التي كنتم تخوضونها ؟ وتسببت في تأخر الدولة عن تنفيذ مشاريعها وتراكمت عليها المشاكل في الكثير من القطاعات ؟
هذا رأي يحترم ويناقش ولكن ليبيا اختارت المواجهة لانها رفضت التبعية والهيمنة الاجنبية فالثورة لم تطرد القواعد الاجنبية لكي تعيد الاستعمار في صورة شركات اجنبية تسيطر على مقدارت الشعب وبعد ذلك يجب ان يعرف الجميع ان العداوة مع ليبيا كانت من اجل القضايا العربية التي كانت تساندها وعلى الاخص القضية الفلسطينية .
فالنظام في ليبيا لم يكن عميل وخائن كما كانت اغلب الانظمة العربية انذاك .
ثم ماذا يعني العمران والبنية التحتية وانت تفتقد للحرية وسلطة اتخاد القرار في بلدك
التاريخ لا يكتب الطرق والمباني والجسور والقصور الشاهقة هذه تكتب بعد سنوات طويلة في سجلات اليونيسكو ويصور امامها السياح ويعودون الي بلادهم اما خيار التحدي والمواجهة مع عدو يفرض عليك المعركة فهذا ما يسجله التاريخ في صفحات البطولات .
من حقنا ان نحتفل بثورة صنعت الانجازات وحافظت على بلد طيلة احدي واربعين عاما واليوم عرف الليبيون قيمـة هذه الثورة وفداحـة غياب قائدها .
نحن نعترف بأن هناك اخطاء وقعت فهذه ثورة بشر وليست رسالة سماوية معصومة من الخطأ ولكن بعد 17 فبراير تحصلنا على حكم براءة من كل الاخطاء براءة بقناعة وعقيدة الشعب الليبي وهذا انجـاز لم تصله ثورة في التاريخ بعد ان سقط النظام الذي كان يحميها وغاب القائد الذي كان يقودها .
وسيبقي شعارنا الي يوم القيامـة " كل ليلة هي ليلة الفاتح العظيم وكل يوم هو يوم السابع من ابريل "

الي الامام والكفاح الثوري مستمر حتي النصر .

بقلم الموسيقار