الشهيد معمر القذافى
بين نكران الجميل وعدم الوفاء
الشهيد القائد معمر القذافى كان مثيرا للاهتمام فى حياته وحتى بعد مماته وهذا يثبت بانه لم يكن شخصية عادية
وحتى نمط تفكيره لم يكن روتينيا ولا تقليديا ؛ اختار لنفسه الطريق الاصعب فى حياته الا وهو طريق النضال
والثورية وتجاهل تماما حياة الرغد والترف الذى يتمتع به مئات الرؤساء والامراء والملوك ؛
اختار الولاء والوفاء لقوميته ولتقاليد وقيم دينه ومجتمعه عن الولاء لامريكا كقوة عظمى وقد كلفه ذلك الاختيار
الكثير من المتاعب والعراقيل حتى استشهد فى النهاية ثمنا لمواقفه العروبية واعتزازه بعروبته وقوميته .
ولكن هل نحن كعرب قدرنا هذا الرجل حق قدره ؟
هل شعبه الليبيون قدروه حق قدره ؟
هل التاريخ سيصفه زعيما قوميا وينصفه ام سيصفه بغير ذلك ؟
اسئلة كثيرة تبدر للاذهان فور سماع اسم ذلك الرجل الذى ادهش العالم بمواقفه وحيرهم بأفكاره وسنحاول اليوم
مناصرة الحقيقة والحق بغض النظر عمن يريدها ومن يرفضها لانها لوجه الله خالصة ولا نريد من ورائها
لا جزائا ولا شكورا ؛
من هو معمر القذافى ؟؟؟
هو شاب عربى ليبي من اسرة فقيرة ولكن ذلك لم يمنعه من الطموح ولم يسلبه الفقر الارادة والعزيمة
كان منذ نعومة اظافره فخورا بانه عربى لانه قرأ تاريخ اجداده العرب الاوائل فتولدت لديه رغبة جامحه
فى ان يستعيد مجدهم ؛ لم تجذبه الافكار الغربية ولم تغريه بتمدنها ولم ينخدع ببريقها الزائف ؛
ثوريته وعروبته ظهرت ايام ان كان طالبا وكان يخرج فى مظاهرات مندده بالعدوان الثلاثى على مصر
فقد كان ينظر الى الزعيم العربى جمال عبدالناصر على انه القائد العربى صلاح الدين الايوبى الذى
استطاع ان يوحد العرب جميعا ويشكل منهم قوة استطاعت قهر الحملات الصليبية وتحرير بيت المقدس
كان يرى فيه القدوة والمثل الاعلى عشق فكره واتخذه منهاجا لحياته حتى تحول ذلك العشق الى ان اتخذه
أبا روحيا له ؛ وعندما فجر وقاد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 كان الجيش المصرى على اهبة الاستعداد
على الحدود الليبية لمناصرتها اذا ما تدخلت القوات الايطالية لاخماد وافشال الثورة وكان ذلك بأمر من الزعيم
جمال عبد الناصر ؛ وفى العيد الاول لثورة الفاتح عام 1970 حضر عبد الناصر للاحتفال مع تلميذه النجيب
وابنه البار ولم يكن يعلم ايا منهم انه سيكون اللقاء الاخير بينهم فقد استشهد الزعيم ومات غدرا فى نفس الشهر
28 - الفاتح - 1970 ؛ عندها اقسم معمر القذافى على استكمال مسيرة الزعيم والحفاظ على القومية العربية
وكان الزعيم عبدالناصر قد وجه كلمة للشعب الليبي وللعالم وهو فى ليبيا احتفالا بالعيد الاول للثورة قال فيها
( اترككم اليوم وانا اقول لكم ان اخى معمر القذافى هو الامين على القومية العربية ) وكانت تلك الكلمات
بمثابة التكليف من القائد للجندى فتلقى الجندى التكليف وقام على تنفيذه حتى اخر لحظة فى حياته ؛
لم تكن علاقة الشهيد السياسية مع دول الخليج جيدة طوال فترة حكمه ففى احيان كانت تفتر ولكنها قائمة
وفى احيان اخرى كانت تتوتر ولكنها ايضا موجودة وفى احيان كثيرة كانت تنفجر وتنقطع نهائيا
وكان توتر تلك العلاقة مع اشقاء عرب وهو القومى العروبى مصدره المواقف الغير عروبية التى كانت تتخذها
دول الخليج وعلى رأسها السعودية والكويت اما علاقته بدولة الامارات كانت متوازنه وذلك لحكمة
الشيخ زايد وقتها حاكم الدولة ؛ ولكن هناك سبب خفى اخر وراء توتر علاقته بالسعودية والكويت والاردن
وهو سبب لم يعلن عنه علانا ولكنه كان يواجههم به دائما اينما التقى بهم وهذا السبب هو ؛
بعد وفاة عبدالناصر المفاجئة خرج تقرير سرى من المخابرات الروسية يفيد بتورط فيصل والملك حسين
والامير صباح فى قتل عبدالناصر بدس السم له فى العصير ؛ وقد كانوا جميعا وقتها فى مصر لعفد
قمة عربية وكان هناك مصريون مشاركين فى تلك العملية منهم السادات ؛ هذا ما يفسر لنا العداء
بينه وبين هؤلاء تحديدا ثم ظهر جليا بعد ذلك عندما قطع علاقته مع السادات ومع مصر كلها واصفا
اياه بالعميل الخائن بعد ان وقع على اتفاقية السلام ( كامب ديفيد ) مع الصهاينة ليعطيهم بذلك اعترافا
وشرعية على ارض فلسطين ؛ ولم تكن القضية الفلسطينية غائبة عنه بل كانت محور اهتماماته
الدولية والعربية وقدم للشعب الفلسطينى الكثير من الدعم اللوجستى والمالى وعلى مستوى المقاومة
لقد قدم هذا الرجل الكثير لامته العربية ولكن حب الملوك والامراء للسلطة وشهوتها هو ما كان يقف
عائقا امامه فهم كانوا يروا فيه امتداد لعبد الناصر وهو ما يهدد عروشهم اذا استطاع اقامة وحدة عربية
وعلى المستوى الدولى كانت مواقفه المعادية للصهيوامريكية والامبرياليه مواقف صلبة لم يزعزعها كم
المؤامرات التى حيكت حوله ومحاولات اغتياله التى احتل بها المرتبة الثانية بعد الرئيس الفلسطينى عرفات
وهو من وقف وسط الامم المتحدة ومزق ميثاقهم والقاه خلف ظهره متهما اياهم بالكيل بمكيالين على حساب
منطقتنا العربية ودول العالم الثالث ؛ كان داعما وبقوة لجميع اشكال المقاومة العربية ضد الصهيونية وكان
مناصرا لاى مشروع عربى يهدف لوحدة العرب فقدم فى جامعة الدول العربية مشروع ( السوق العربية
المشتركه ) ثم مشروع الوحدة العربية الجزئية ) اى اتحاد كل مجموعة فى كيان لها وبذلك يكون العرب
فى كيانين او ثلاثة فقام هو باقامة ( اتحاد المغرب العربى ) والذى كان يضم مصر وتونس والجزائر
والمغرب وموريتانيا بجانب ليبيا ؛ ثم خرجت منه مصر بأيعاز منه لاقامة توازن اقليمى بالمنطقة
وانضمامها الى ( مجلس التعاون العربى ) والذى ضم وقتها مصر والعراق والاردن واليمن )
هكذا كان حلم الرجل ان يرى الشتات والتمزق العربى موحد تحت راية واحدة ولم يبخل بجهد ولا مال
ولا مواجهة مع الاعداء مباشرة وغير مباشرة ؛ ربما اختلف معه البعض على سياساته ولكن يتفق
الجميع على انه كان حسن النوايا تجاه عروبته ؛ ولم نشهد له طيلة 42 عاما من حكمه انه فى يوم
تخازل او خان او تأمر او تنازل او استسلم بل كان صلدا قويا عنيدا تجاه عروبته وقوميته .
اما داخليا وعلى مستوى ليبيا فلا احد فى العالم سوى الطليان كان يسمع عن دولة اسمها ليبيا
بل يسمعون عن ولاية ايطالية او عزبة ملكية ؛ لم تكن احلام الليبيين وقتها تتعدى اعتاب خيمتهم
بل ان الحلم كان غير مشروعا لهم كانت الملكية الفاسدة وحاشيتها يستعبدون العباد وينهبون البلاد
وما ان تفجرت الثورة الخضراء حتى تطهرت الاراضى الليبية من دنس ورجس الطليان والملك
واذنابه وتنفست الجماهير الليبية الصعداء فأعاد لهم كرامتهم المهدرة واموالهم المسلوبة وارضهم
المحتله وزحفت يد العمار والمدنية لتمسح الاراضى الليبية فتوالت المشاريع الصناعية والاسكانية
وانشأت شبكات الطرق وبدأ العالم الغربى يلتفت نحو دولة اسمها ليبيا ؛ وكان مشروع النهر الصناعى
العظيم شاهدا على عطائه لوطنه فقد كان يعد بالمقاييس المعترف بها معجزة وتدفقت بفضله المياه العذبه
الى جميع ربوع الجماهيرية ؛ ونالت المرأة الليبية فى عهد الثورة جميع حقوقها التى سلبها اياها
الفكر المتحجر والمتخلف فأعزها كما اعزها الله ؛ وتوالت الاجيال الجديدة لتنشأ بغير معاناة عزيزة
النفس والكرامة تفخر بانتمائها لابوة معمر القذافى ولارض اول نظام جماهيرى يعرفه العالم يعيشون
عليه احرارا هم من يمتلكون فيه ثروتهم وارادتهم وقرارهم ؛
ولكن قوى الشر والطغيان من صهاينة وصليبيين ومن خلفهم عرب متأمرين ما كانوا ليتركوا شعبا
عربيا يحيا بكرامة وعزه ؛ وما كانوا ليتركوا من اذاقهم فى كل مواجهة معه الخزى والعار بكشفه
الدائم لحقيقتهم القذرة امام العالم حتى الامم المتحدة التى يتخفون خلفها فضحها امام العالم اجمع ؛
فكانت المؤامرة الكبرى على ليبيا وشعبها نكاية وانتقاما من الرجل فراحت اموال نفط الخليج
تتدفق على العملاء والخونة واصحاب النفوس الضعيفة فى الداخل الليبي يتسللول ويتأمروا فى الخفاء
لخيانة اهلهم ووطنهم وقائدهم وراحوا يروجوا فى الداخل الاشاعات والفتن والاضاليل بغطاء الخليج
الاعلامى الحقير من العبرية الى الحقيرة الى ابواق اعلامية صليبية حتى التبس الامر وتداخل على
الجماهير الليبية والتى لم تعد تفهم ما يحدث حولها وعلى ارضها ولم يدروا الا وجحافل الصليبية
تدك بيوتهم بالقنابل فتسحق نسائهم واطفالهم وعجائزهم والذين لا حول لهم ولا قوة ؛ فتطايرت
اشلائهم وتهدمت فوق رؤسهم منازلهم التى كم أوت واطعمت عربا وعجما وكم قدمت من الخير
تهدمت على رؤسهم وسحل العجائز وتعالت صرخات الاطفال هنا وهناك وغيمت السحب السوداء
على سماء الجماهيرية فما عاد احد يرى او يسمع ما يحدث خلفها ؛ وسط ذلك كله لم يفقد الرجل
ارادته التى ارادوا تحطيمها ولم يسمعهم كلمة الاستسلام التى كانوا يتمنونها بل زاده كل ذلك
عزما وارادة فكيف يستسلم بعد كل هذا النضال والكفاح والمعارك التى خاضها ضدهم وماذا سيقول
للاجيال التى ستاتى من بعده وللاجيال التى اعتنقت فكره واتخذت منه مثلا لها يحتذون به فى ثوريتهم
وقوميتهم ؛ كيف يترك المقاتل سلاحه ويرفع يديه وهو الذى كان نارا مستعرة على المتخازلين
كيف يتخازل ويولى الدبر وهو رمز لجيل عربى حر من الخليج الى المحيط ؛
وكان قراره قرار معمر القذافى وقرار جمال عبدالناصر والده الروحى القتال حتى الموت ؛
وكانت اكبر مكافأة يمكن ان ينالها مجاهد شريف من ربه وهو ان ينال الشهادة فى ساحة المعارك
ولفظ الشهيد انفاسه الاخيرة وهو بزيه العسكرى وقطرات دمه وعرقه تروى الارض العربية الليبية
من تحته ؛ سقط الشهيد وملايين الدمعات تحجرت فى مئاقيها كمدا من شدة الحزن عليه ؛
سقط الشهيد وسط كلابا وذئابا وضباعا تعوى وتعوى حتى احالت البلاد الى دمار وخراب ؛
فماذا فعل ابناء ليبيا الاحرار الشرفاء لهذا الرجل وفائا له وتقديرا له وعرفانا بجميله عليهم وعلى وطنهم ؟
بل ماذا فعلوا من اجل ارضهم المغتصبة المدنسة بعصابات اجرامية تذيقهم وابنائهم مرارة الرعب والخوف
نحن لن نجيب بل هم من عليهم ان يجيبوا لانهم هم اصدق منا وعلى كلا منهم ان ينظر فى مرأة نفسه
ثم يسأل نفسه ؛ ما معنى الوفاء؟ وهل يستحق هذا الرجل منا الجفاء والنكران ؟
وعلى كل الحكام العرب الذين تأمروا على الشهيد القائد وعلى شعب ليبيا المسالم ان يعلموا ان هناك
جيل سيخرج من هذه الارض ستحرقكم ناره وتحيلكم الى رماد لانكم زرعتم بزرة الحقد والكراهية
وعليكم غدا ان تجنو ثمارها وسيدفع الثمن اجيالكم القادمة والتى حتى هى لا ذنب لها ؛
رحمك الله يا صفحة مشرفة مضيئة من صفحات تاريخنا العربى المشرف .
رحمك الله يامن علمتنا درسا قويا فى كيفية التفانى من اجل قضايانا العربية والوطنية .
رحمك الله يا امين القومية العربية
طارق حسن
التجمع العربى للقوميون الجدد