فضيحة اردوغان
للكاتب الصحفى المصرى .. صالح ابو مسلم
يمر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هذه الأيام بأسوأ أزمة يمكن أن تعصف بتاريخه السياسي، أزمة تتعلق بالأمانة والشرف الذي كان يروج له في خطاباته وحملاته الانتخابية، أزمة جعلته الآن بين المطرقة التركية وسندان القضاء ومطالب الجماهير، أزمة يمكن أن تنهي عويله وصراخه وتهكمه وتدخله في شئون الدول بما لا يتناسب مع قدراته ومواهبه، فهو شخص لم يأت من صفوف القوات المسلحة ولا من بيوت المال العريقة بتركيا، بل جاء من خلال انتخابات شعبية قادتها الطبقة الوسطي عام 2002 وقادته إلي الحكم بعد تدرجه من رئاسة بلدية اسطنبول وصولا إلي رئاسة الوزراء ثم إعادة انتخابه عام 2011 بقيادة حزبه حزب العدالة والتنمية، وقد سعي خلال فترة حكمه إلي العمل علي النهوض بتركيا ولكن بسبب أحلامه وطموحاته غير المنطقية وكبريائه المزيف لم تكن لتسمح له الدول العظمي كأمريكا وبلاد الغرب بتحقيق تلك الأحلام بما يهدد مصالحها وينازعها في خصوصياتها ولكن عملوا علي أن تظل تركيا داخل حلف الناتو لينحصر دورها فقط في أن تظل قاعدة أمريكية رغم أنف أردوغان، كما أنه لم يغب عن دول الغرب أن أردوغان يسعي إلي تحقيق مشروعه الإسلامي باعتباره أكبر رموز التنظيم الدولي للإخوان بما يهدد مصالح أوروبا وأمريكا في المنطقة، ولهذا لن تسمح له أوروبا بقبوله عضوا في الاتحاد الأوروبي لاعتبارات كثيرة رغم تنازلاته وإصلاحاته من أجل قبول تركيا عضوا بالاتحاد.
أما علاقاته بمحيطه الإقليمي فلم تكن مرضية علي الإطلاق بعد فشله في مغازلة إيران ومغازلة إسرائيل، ناهيك عن المشكلة الأرمينية، وتعامله السيئ والمشبوه في الأزمة السورية، وتورطه في علاقات مشبوهة مع قطر، وفشله في إحياء العلاقات الروسية لصالحه علي حساب الدول، ثم تحجيم أمريكا والغرب له نتيجة قراراته وطموحاته، أما الأخطر من ذلك هو علاقاته المشبوهة بالتنظيم الدولي للإخوان وتوظيف أموال الخزانة التركية لهذا الغرض، والدليل تدخله السافر والمتآمر علي الشئون الداخلية المصرية وفرض نفسه علي مسار ثورتها لصالح مشروعه الإخواني، وتعاطفه اللامحدود مع الجماعات الدينية مقابل مهاجمته للدولة المصرية الوليدة وجيشها، وسعيه لتأليب الدول علي مصر بدون وجه حق ومروجا بأن ما حدث في مصر انقلاب وليس ثورة وهو ما فشل فيه مما أدي إلي تأزم العلاقة المصرية ـ التركية وطرد مصر للسفير التركي بسبب رعونة مواقفه.
إن تأييد أردوغان للإخوان في مصر ومعظم دول الربيع العربي علي هذا النحو جعل الدول تدرك أنه يسعي لجعل تركيا قطبا للتنظيم الدولي وإعادة الخلافة الإسلامية بها وهو ما تكرهه الدول.
أما خصوم أردوغان بالداخل التركي فحدث ولا حرج بعد أن اكتشف الأتراك رعونة وعجرفة وغرور تلك الشخصية من خلال مواقفها تجاه الأزمات الداخلية ومدي خطورة ذلك علي تركيا، فلم ينس له الشعب سعيه عام 2008 من أجل أفكار حزبه الإسلامي تقويضه للدستور التركي، ولم ينسوا له تنازلاته التي تمس الأمن القومي التركي لصالح انضمامه للاتحاد الأوربي وتلاعب دول الاتحاد به، كما أن طريقته في التعامل مع المتظاهرين في أزمة حديقة تقسيم العام الماضي زاد من خصومه ومعارضيه ليس في تركيا فحسب بل في سائر الدول ومنظماتها الحقوقية.
ثم مؤخرا الأزمة الكبيرة التي تتعلق بشرف وأمانة حكومته بعد اكتشاف الدولة لكم الفساد الكبير الذي يتعلق بمعظم وزرائه وهي قضايا تتعلق بالتزوير والرشوة داخل نطاق المشاريع العقارية وتبييض الأموال واستخدام النفوذ وسوء استغلال المال العام وغيرها من قضايا الشرف التي تتعلق بوزراء ورجال أعمال ورجال شرطة واقتياد بعضهم إلي المحاكمات والسجون، أما رد أردوغان علي تلك القضية حفاظا علي مستقبله السياسي وحفظ ماء وجهه، فجاء عبارة عن إقالته لعدد كبير من وزرائه ومن أهمهم وزير البيئة والاقتصاد ووزير الشئون الأوربية وأكثر من 70 من رجال الشرطة علي رأسهم مدير الشرطة باسطنبول وتعيينه للمقربين منه حتي ينجو من آثار تلك الجريمة، ورغم ذلك خرجت المظاهرات والاحتجاجات التي تطالبه بالاستقالة واستقالة عدد من رموز حزب العدالة والتنمية هذا في الوقت الذي أكد فيه وزير بيئته السابق تورط أردوغان شخصيا وعلمه بطبيعة الفساد وسكوته عليه.
ودون شك فإن الأمر في تركيا لن يمر مر الكرام بعد أن فتح القضاء التركي استجابة للجماهير الغاضبة المحاكم علي مصراعيها، غير أن الأمور الآن لا تصب في صالح أردوغان الذي يبدو أنه قد فقد صلاحيته بسبب حماقاته، فلقد حاول أن يقفز السلم مرة واحدة دون أن يحترم معارضيه أو أن يقيم للدول من حوله الوزن المطلوب بعد أن تجاوز الأدب وحسن التدبير، كما أنه بطموحاته غير الواقعية قد اختار لها الزمن الخاطئ واللحظة غير المناسبة مما زاد من توسيع دائرة خصومه داخل وخارج تركيا مما جعله يدخل في اختبار كسر الضلع، أو وقوعه كفريسة لسهام الصياد بعد أن أزعج الدنيا بصراخه وغبائه السياسي ولربما ينجو من تبرئة نفسه ولكنه لن ينجو علي الأرجح في الأيام المقبلة بمستقبله السياسي وبخاصة أن الانتخابات البلدية ستنعقد في مارس 2014 المقبل ثم تعقبها مباشرة الانتخابات الرئاسية في أغسطس من العام نفسه وهو ما كان يحلم به ويجهز له، ولربما كانت تلك الأزمة خناقا حول عنقه لتعلن لنا وقريبا نهاية مشواره السياسي الذي كان هو سببا فيه ولو حدث فإننا سنعتبره من الله قصاصا من كل حاقد متعجرف.
المصدر منتديات القوميون الجدد