عام بداية الوضوح
الكاتب الصحفى الفلسطينى ... طلال عوكل |
|
|
| |
إذا كان العام المنصرم، قد طغى عليه التشاؤم والإحباط، فإننا نتمنى ونظن ان العام الجديد ٢٠١٤، سيكون افضل من سابقه. بالنسبة لي التشاؤم والتفاؤل في قراءة الوضع الفلسطيني يقوم أساسا على سؤال: هل كان أداؤنا الفلسطيني افضل، وهل قمنا بما ينبغي ويمكن ان نقوم به، في ظل وعينا الكامل لكل المتغيرات شديدة القوة والتأثير التي تجري من حولنا وفي العالم؟ بهذا المعنى، اعتقد ان المحصلة كانت سلبية، فالأداء الوطني العام، ومجمل، مخرجاته، كان رديئا، فالمفاوضات التي اضطررنا لاستئنافها، مضت في ظروف وتجاذبات صعبة وخطيرة، مع استمرار إسرائيل بكل ما تعودت القيام به، والمصالحة لم تتم، والمقاومة الشعبية وغير الشعبية لم تنهض، والأحوال الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للفلسطينيين، شهدت تراجعاً. قد يستمر الحال بمعدلات اكثر أو اقل صعوبة، بمقاييس حاضر الصراع، وحاضر التحولات المتسارعة والتاريخية التي تقع في المحيطين العربي والإقليمي، وكذلك الدولي، وأيضا بمقاييس الأداء الذاتي الفلسطيني، ولكن انطلاقا من الرؤى الاستراتيجية المستقبلية والتاريخية، فإنه لا سبيل لأن يتسلل الإحباط والتشاؤم الى نفوسنا كشعب اصبح موجودا بقوة على ارضه، وفي فضاءات السياسة، والتحولات الكبرى. ولكن بعيدا عن القدرية، وعن الشعاراتية، والإسقاطات الرغبوية وبعيدا عن قراءات الفلكيين التي يلجأ إليها التائهون، الذين لا يجدون أجوبة عن أسئلتهم الحائرة، بعيدا عن كل ذلك، اعتقد ان العام الجديد ينطوي على جديد، وافترض انه سيكون عام بداية مرحلة الوضوح، والخيارات وبالتالي التحولات الهامة. عند نقطة الافتراق بين العام المنصرم والعام الحالي، كانت هناك شعاعات ضوء، تدخل القليل من الدفء في القلوب الباردة، والتي أعياها تعب الانتظار وسوء معاملة الأهل للأهل، وتدهور أوضاع الناس والقضية. العدد القليل من الأسرى، الذين تم تحريرهم، يقدم جواباً قوياً، إزاء ملف خطير، هو ملف الأسرى، الذين كما يقال لن تغلق عليهم بوابات السجون إلى الأبد، ثمة أمل كبير وأكيد بنيل الحرية، للوطن ومواطنيه طال الزمان او قصر. وحين نقترب من ذكرى اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي تشرفت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، بتفجيرها وقيادتها، حتى يومنا هذا وبعد تسعة وأربعين عاما، فإن علينا ان نتحلى بكل التفاؤل والأمل. رغم كل ما أصاب ويصيب حركة فتح، وأوضاعها صعبة، وكل ما يمكن ان يقال عن ترهلها وانقساماتها وخلافاتها، فإنها فاقت كل التوقعات من حيث إنها ظلت قادرة على الاستمرار، والتواصل، وظلت في موقعها القيادي، رغم التغيير الذي وقع، وحمل الى جانبها، وربما بموازاتها حركة حماس. الضربات التي تلقتها حركة فتح تاريخيا والأزمات التي واجهتها، في إطار مسؤولياتها الوطنية، كانت كفيلة، بإنهاء حركة وطنية عامة، لا توحدها الأيديولوجيا، ولا توحدها السياسة، ولا ترقى اية عوامل أخرى لتفسير توحدها واستمرارها، سوى أنها تتمسك بالأهداف الوطنية العامة للشعب الفلسطيني، بكل ما يتطلب ذلك من مرونة، وقابلية للتفاعل مع المتغيرات، بحيث بقيت وتبقى حركة الشعب الفلسطيني. أما الإشارة الثالثة، فقد أطلقتها حركة حماس الكبيرة، مع نهاية عام وبداية آخر، فالموافقة والمشاركة في احتفال انطلاقة الثورة، ليس عملاً اجتماعيا وليس عملاً أخلاقيا، وإنما هو عمل سياسي، يندرج في سياق توفير البيئة السياسية والاجتماعية المناسبة، لتحقيق المصالحة. حديث الرجل الثاني في حركة حماس ورئيس الحكومة المقالة السيد إسماعيل هنية، عن آليات، تفتح المجال لإجراء انتخابات للمجالس الطلابية، والحركة النقابية والإدارات البلدية، وصولاً الى الانتخابات العامة، وبما تضمنه الحديث أيضا من تأكيد على أولوية تحقيق المصالحة هذا العام، هذا الحديث مبشر، وإيجابي، رغم اي نقاش ليس من باب الاعتراض وإنما من باب التساؤل حول كيفية تحقيق ذلك. والحقيقة ان حركة حماس، بادرت الى جملة متكررة من اللقاءات مؤخراً مع الفصائل، ومع شخصيات اعتبارية سياسية وثقافية وأكاديمية، كان آخرها، ما جرى من لقاءات كانت تبحث عن سؤال ماذا نفعل، وكيف نفعل، ومن اين نبدأ، بمعنى تجاوز البحث النظري إلى البحث العملي. هذه المؤشرات المتزامنة، التي نفتتح بها العام الجديد، تكمن أهميتها في أنها تشكل، مقدمات لتغييرات قادمة طال انتظارها، وهي بحد ذاتها تلخص إلى حد كبير مدى تفاعل المستوى السياسي الفلسطيني، مع التطورات الجارية والمرتقبة في المحيط، وفي إطار الصراع مع الاحتلال. بموازاة ذلك وعلى النقيض، أدلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بتصريحات مكثفة لا ضرورة لاستعادتها، ولكنها تؤكد ان إسرائيل لم تكن، وليست، ومن غير الممكن ان تكون شريكا في عملية سلام، تؤدي إلى تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية. نتنياهو، يستقبل العام الجديد، ويستقبل وزير الخارجية الأميركية بمثل هذه التصريحات، بعد ان وافقت اللجنة الوزارية للتشريع، قبل أيام قليلة على اتخاذ قرار بضم منطقة الغور، على غرار قرار ضم القدس والجولان، وبهذا يكتمل المشهد الإسرائيلي، الذي يرتب على كيري وعلى الأوروبيين ان يعلنوا إزاءه شيئاً. وباختصار، اذا كانت هذه هي الرؤية الإسرائيلية واذا كانت الرؤية الفلسطينية قائمة على التمسك بالثوابت، فإن تقريب وجهات النظر يتطلب تدخلا قويا، موضوعيا وحياديا، فهل يتوفر ذلك في السياسة الأميركية؟. مرة اخرى نعود لطبيعة العام الجديد، لنشير الى ان هذا العام سيشهد خلال نصفه الأول، حسما لموضوع المفاوضات، وفي اي اتجاه ستسير الأمور، وحسماً في ملف المرحلة الانتقالية في مصر، والمرحلة الانتقالية في سورية، وأيضا المرحلة الانتقالية لاتفاق جنيف بين إيران والستة الكبار. كل هذه الملفات الهامة جداً، والتي تنطوي كلها على تأثير كبير وربما حاسم في الموضوع الفلسطيني، سيتم حسمها، بما يفتح الطريق أمام قدر من الوضوح لصناعة السياسة ومنهم الفلسطينيون، ولتحديد الخيارات والتوجهات القادمة، وفي هذا الإطار، نرى بأن المصالحة الوطنية الفلسطينية، ستتم باعتبارها استحقاقا اضطراريا، تفرضه المتغيرات. |