الحضارة الاشورية
الحضارة الاشورية
تاريخ الاشوريين..:
=======
نشأت الدولة الجديدة حول أربع مدائن ترويها مياه نهر دجلة وروافده، وهي آشور ومحلها الآن قلعة شرغات، وأربلا وهي أربيل الحالية،
والكلخ وهي الآن نمرود، ونينوى وهي قوير نجك، على الضفة المقابلة لمدينة الموصل مينة الزيت.
وقد عثر المنقبون في أطلال آشورعلى شظايا من السبج ـالحجر الزجاجي الأسودـ وعلى سكاكين وقطع من الفخار الأسود عليها رسوم هندسية توحي بأنها من أصل آسيوي،
وكل هذه من مخلفات عصر ما قبل التاريخ. وكشفت بعثة أثرية حديثة في تبي جورا، بالقرب من موقع نينوى عن بلدة يرد كاشفوها الفخورون تاريخها إلى عام 3700ق.م
رغم ما فيها من هياكل وقبور كثيرة، وأختام أسطوانية متقنة النقش، وأمشاط وحلي، ورغم ما عثروا عليه فيها من نرد وهو أقدم نرد عرف في التاريخ.
وتلك مسألة جديرة بتفكير المصلحين في هذه الأيام. وخلع الإله آشوراسمه على مدينة من مدنها «ثم على القطر كله آخر الأمر»؛
وفي هذه المدينة كان يسكن أقدم ملوك هذه الأمة، وظلوا يقيمون بها حتى اضطروا بسبب تعرضها لحر الصحراء اللافح ولهجمات جيرانهم البابليين
إلى إنشاء عاصمة ثانية لهم في مكان أقل من العاصمة الأولى حرارة. وكانت هذه العاصمة الثانية هي نينوى؛ واسمها هي أيضاً مأخوذ من اسم إله من آلهتهم
هو الإله نينا إشتار الأشورييّن. وكان ثلاثمائة ألف نسمة يسكنون فى نينوى أيام مجدها في عهد آشوربانيبال كما كان ملوكها ـملوك الأرض عادةـ يتلقون الجزية من جميع بلاد الشرق القريبة.
وكان سكان المنطقة عبارة عن خليط من من الساميين الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضرة «أمثال بابل وأكاد»،
ومن قبائل غير سامية جاءت من الغرب «ولعلهم من الحثيين أو من قبائل تمت بصلة إلى قبائل ميتاني»، ومن الكرد سكان الجبال الآتين من القفقاس،
وأخذ هؤلاء كلهم لغتهم المشتركة وفنونهم من سومر، ولكنهم صاغوها فيما بعد صياغة جديدة جعلتها لا تكاد تفترق في شيء عن لغة أرض بابل وفنونها.
بيد أن ظروفهم الخاصة باعدت بينهم وبين النعيم المخنث الذي انحدر إليه البابليون؛ ولذلك ظلوا طوال عهدهم شعباً محارباً مفتول العضلات،
ثابت الجنان، غزير الشعر، كث اللحى، معتدل القامة، يبدو رجاله في آثارهم عابسين، ثقيلي الظل، يطئون بأقدامهم الضخمة عالم البحر المتوسط الشرقي.
وتاريخهم هو تاريخ الملوك والرقيق، والحروب والفتوح، والانتصارات الدموية والهزائم المفاجئة.
فبينما كانت بلاد بابل تتخبط في ظلمات حكم الكاشيين
================
ضم -سلما نصر الأول- دويلات المدن الشمالية تحت حكمه، واتخذ الكلخ عاصمة له. على أن أول الأسماء العظيمة في تاريخ آشورهو اسم -تغلت فلاصر الأول-
. كان هذا الملك صياداً ماهراً، وإذا كان من الحكمة أن نصدق أقوال الملوك ..فقيل فيه إنه قد قتل مائة وعشرين أسداً،
وقتل وهو في عربته ثمانمائة، وجاء في نقش خطه كاتب أكثر ملكية من الملك نفسه -أنه كان يصيد الأمم والحيوانات على السواء
وكتب على الجداران :
======
«وسرت في بأسي الشديد على شعب قموة، وفتحت مدائنهم، وسقت منها الغنائم، واستولت على ما لا حصر له من بضائعهم وأملاكهم، وحرقت مدنهم بالنار، ودمرتها وخربتها..
. وخرج أهل ادنش من جبالهم واحتضنوا قذمى، وفرضت عليهم الجزية». وقد ساق هذا الملك جيوشه في كل اتجاه، فأخضع الحثيين والأرمن وأربعين أمة غيرهما،
واستولى على بابل، وبنى من الخراج الذي دخل خزائنه هياكل لآلهة الأشوريين وآلهاتهم،
. ثم خرجت بابل عليه، وهزمت جيوشه، ونهبت هياكله،
وكان حكمه رمزاً للتاريخ الآشوري كله وصورة مصغرة منه: حرب وجزية فرضهما على جيرانه
. واستولى آشورناصر بال على اثنتي عشرة دولة صغيرة، وعاد من حروبه بمغانم كثيرة، ومات ميتة شريفة.
ومد سلما نصر الثالث هذه الفتوح حتى دمشق،
==========
وحارب عدة وقائع تكبد فيها خسائر فادحة، وقَتَل في واقعة واحدة ستة عشر ألفاً من السوريين، وشيد الهياكل، وفرض الجزية على المغلوبين. ثم ثار عليه ابنه ثورة عنيفة وخلعه.
وحكمت سمورامات أم الملك ثلاث سنين، وكان حكمها هو الأساس التاريخي الراهن لأسطورة سميراميس اليونانية، التي تجعل منها نصف إلهة ونصف ملكة، وقائدة باسلة،
ومهندسة بارعة، وحاكمة محنكة مدبرة. وتلك الأسطورة هي كل ما نعرفه عن هذه الملكة. واجتاح سورية وبابل، وأخضع لحكمه دمشق والسامرة، وبابل.
ومد ملك آشورمن جبال القفقاس إلى مصر. ولما مل الحرب وجه همه إلى شؤون الحكم، فأثبت أنه إداري عظيم، وشاد كثيراً من الهياكل والقصور، وساس إمبراطوريته الواسعة سياسة قوية حازمة، وأسلم روحه وهو في فراشه. وجلس على العرش سرجون الثاني، وهو ضابط من ضباط الجيش، على أثر «انقلاب سياسي نابليوني»، وقاد جيوشه بنفسه، وكان في كل واقعة يتخذ لنفسه أشد المواقف خطورة، وهزم عيلام ومصر، واسترد بابل. وخضع له اليهود والفلسطينيون بل واليونان سكان قبرص، وحكم دولته حكماً صالحاً، وناصر الفنون والآداب، والصناعة والتجارة،
وقضى ابنه سنحريب على الفتن التي ثار عجاجها في الولايات المجاورة للخليج الفارسي، وهاجم أورشليم ومصر دون أن يلقى نجاحاً، ونهب تسعاً وثمانين مدينة، وثمانمائة وعشرين قرية، وغنم سبعة آلاف ومائتي جواد، وأحد عشر ألف حمار وثمانين ألف ثور، وثمانمائة ألف رأس من الغنم، ومائتين وثمانية آلاف من الأسرى وهي أرقام لم يستخف بها الكاتب الرسمي الذي كتب سيرته ثم غضب على بابل لنزعتها إلى الحرية فحاصرها، واستولى عليها، وأشعل فهيا النار فدمرها تدميراً، ولم يكد يبقى على أحد من أهلها رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، بل قتلهم عن آخرهم تقريباً، حتى سدَّت جثثهم مسالك المدينة، ونُهبت المعابد حتى لم يبق لديها شاقل واحد، وحُطِمت آلهة بابل صاحبة السلطان الأعظم القديم، وسيقت أسيرة ذليلة إلى نينوى. وأصبح مردوخ الإله الأكبر خادماً ذليلاً للرب آشور. ولم ير من بقي حياً من البابليين أنهم كانوا مبالغين في تقدير قوة مردك وعظمته؛ بل قالوا لأنفسهم ما قاله الأسرى اليهود بعد مائة عام من ذلك الوقت، قالوا إن إلههم قد شاء له تواضعه أن ينهزم ليعاقب بذلك شعبه. واستخدم سنحريب غنائم نصره وما نهبه من البلاد المفتوحة في إعادة بناء نينوى، وحول مجرى النهرين لحمايتها من الاعتداء، وبذل في إصلاح الأرض البور من القوة والنشاط ما تبذله الدول التي تشكو عدم وجود فائض لديها من غلاتها الزراعية، ثم قتله أبناؤه وهو يتلو الصلوات.
وقام ابن له من غير القتلة وهو عسر هدن وانتزع العرش من إخوته السفاحين، وغزا مصر ليعاقبها على ما قدمته من المعونة للثوار السوريين، وضمها إلى أملاكه، وأدهش غربي آسية بسيره المظفر من منف إلى نينوى ومن خلفه ما لا يحصى من الغنائم؛ وجعل آشورسيدة بلاد الشرق الأدنى بأجمعها، وأفاء عليها من الرخاء ما لم يكن لها به عهد من قبل، واسترضى البابليين بإطلاق آلهتهم الأسيرة وتكريمها وإعادة بناء عاصمتهم المخربة، كما استرضى عيلام بتقديم الطعام إلى أهلها الجياع. وكان ما قدمه من الإغاثة على هذا النحو عملاً لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ القديم كله. ومات عسر هدن وهو سائر إلى مصر ليخمد فيها ثورة بعد أن حكم إمبراطوريته حكماً لم تر له في تاريخها شبه الهمجي مثيلاً في عدله ورحمته.
وجنى خلفه آشور بانيبال -وهو الذي يسميه اليونان سردنا بالوس- ثمرة هذه الأعمال، فوصلت آشور في خلال حكمه الطويل إلى ذروة مجدها وثروتها. ولكن بلاده بعد وفاته فقدت هذا العز، فوهنت قوتها وفسدت أمورها لطول عهدها بالحروب المنقطعة التي خاضت غمارها أربعين عاماً، وأدركها الفناء، ولما يمض على موت آشور بانيبال عشر سنين. وقد احتفظ لنا أحد الكتاب بسجل سنوي لأعماله، وهو سجل ممل ينتقل فيه من حرب إلى حرب، ومن حصار إلى حصار، ثم إلى مدن جائعة وأسرى تُسلخ جلودهم وهم أحياء. وينطق هذا الكاتب نفسه آشور بانيبال فيحدثنا عما خربه من بلاد عيلام ويقول: «لقد خربت من بلاد عيلام ما طوله مسير شهر وخمسة وعشرين يوماً. ونشرت هناك الملح والحسك «لأجدب الأرض» وسقت من المغانم إلى آشور أبناء الملوك، وأخوات الملوك، وأعضاء الأسرة المالكة في عيلام صغيرهم وكبيرهم، كما سقت منها كل من كان فيها من الولاة والحكام، والأشراف والصناع، وجميع أهلها الذكور والإناث كباراً كانوا أو صغاراً، وما كان فيها من خيل وبغال وحمير وضأن وماشية تفوق في كثرتها أسراب الجراد، ونقلت إلى آشور تراب السوس، ومدكتو، وهلتماش وغيرها من مدائنهم. وأخضعت في مدة شهر من الأيام بلاد عيلام بأجمعها؛ وأخمدت في حقولها صوت الآدميين، ووقع أقدام الضأن والماشية، وصراخ الفرح المنبعث من الأهلين. وتركت هذه الحقول مرتعاً للحمير والغزلان والحيوانات البرية على اختلاف أنواعها».
وجيء برأس ملك عيلام القتيل إلى آشور بانيبال وهو في وليمة مع زوجته في حديقة القصر، فأمر بأن يرفع الرأس على عمود بين الضيوف، وظل المرح يجري في مجراه، وعلق الرأس فيما بعد على باب نينوى، وظل معلقاً عليه حتى تعفن وتفتتَ. أما دنانو القائد العيلامي فقد سلخ جلده حياً،
ثم ذُبح كما يُذبح الجمل، وضرب عنق أخيه، وقطع جسمه إرباً، ووزعه هدايا على أهل البلاد تذكاراً لهذا النصر المجيد.
ولم يخطر قط ببال آشور بانيبال أنه ورجاله وحوش كاسرة أو أشد قسوة من الوحوش، بل كانت جرائم التقتيل والتعذيب هذه في نظرهم عمليات جراحية
لابد منها لمنع الثورات وتثبيت دعائم الأمن والنظام بين الشعوب المختلفة المشاكسة المنتشرة من حدود الحبشة إلى أرمينية،
ومن سورية إلى ميديا، والتي أخضعها أسلافه لحكم آشور. لقد كانت هذه الوحشية في رأيه واجباً يفرضه عليه حرصه على أن يبقى التراث سليماً.
وكان يتباهى بما وطده في ربوع إمبراطوريته من أمن وسلام، وبما ساد مدنها من نظام. والحق أن هذا التباهي لم يكن على غير أساس.
على أن هذا الملك لم يكن مجرد ملك فاتح أسكره سفك الدماء، وشاهِدَ ذلك ما شاده من المباني وما بذله في تشجيع الفنون والآداب.
فقد بعث الملك إلى جميع أنحاء دولته يدعو المثالين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ويزينوها كما فعل بعض الحكام الرومان
بعد أن استولت روما على بلاد اليونان. وأمر عدداً كبيراً من الكتبة أن يجمعوا وينسخوا كل ما خلفه السومريون والبابليون من آداب،
ووضع ما نسخوه وما جمعوه كله في مكتبته العظيمة في نينوى، وهناك وجدها علماء هذه الأيام سليمة أو تكاد بعد أن مرت عليها خمسة وعشرون قرناً من الزمان.
منتديات القوميون الجدد (التجمع الشعبى العربى )