مهمة الأربعة الكبار في "موسكو"
اللقاء الخامس بين السيسي وبوتين خلال عامين يرسم ملامح المنطقة
تعاون نووي بين السعودية والأردن وروسيا
الإمارات تتقارب معها لمواجهة النفوذ الإيراني
عبدالله يحضر عرضا جويا لتزويد جيشه بمنظومة هجومية وجوية
عندما يتجه الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى موسكو الثلاثاء المقبل، ليلتقى نظيره فلاديمير بوتين، سيكون بذلك يعبر عن اتجاه عام للدول الأربع الكبرى، والمؤثرة فى قضايا الشرق الأوسط، مصر والإمارات والأردن والسعودية، للتعاون مع الدب الروسى، الذى أثبت قدرته على لعب دور أهم وأقوى مما تقوم به الولايات المتحدة، وخاصة فى قضايا سوريا ومحاربة الإرهاب، بعد أن فقدت غالبية الدول ثقتها فى واشنطن بسبب الأخطاء التى ارتكبتها إدارة الرئيس باراك أوباما، وأدخلت المنطقة فى نفق الفوضى المدمرة.
فمنذ نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى الإطاحة بنظام الإخوان «الإرهابى» ورئيسه المعزول محمد مرسى، كانت مصر سباقة فى قيادة المنطقة نحو التحول إلى روسيا، إذ أيقن الرئيس السيسى عندما كان وزيرا للدفاع وقتها، أن موسكو هى القوة الحقيقية المؤثرة فى المنطقة، فكان اتجاهه القوى إليها، ومن ثم تبعته بقية الدول العربية.
ويعد اللقاء القادم بين السيسى وبوتين، هو الخامس بينهما خلال عامين، إذ زار السيسى موسكو والتقى بوتين عندما كان وزيرا للدفاع ثم زارها مرة أخرى بعد توليه الرئاسة، ثم زار بوتين مصر العام الحالى، وشارك السيسى بعدها فى احتفالات روسيا بانتصارها فى الحرب العالمية الثانية، والتقى بوتين أيضا، ثم تأتى الزيارة القادمة لتكون الخامسة للسيسى إلى موسكو.
ومن المنتظر أن يغلب على تلك الزيارة الطابع الاستراتيجى السياسى العسكرى، إذ ستتطرق إلى قضايا المنطقة وعلى رأسها ملفا سوريا واليمن وأيضا الملف النووى الإيرانى، وكذلك التعاون العسكرى وصفقات الأسلحة الجديدة بين البلدين، إضافة إلى العمل على تعزيز التعاون الاقتصادى ومناقشة مشاركة روسيا فى محور تنمية قناة السويس بإقامة منطقة صناعية خاصة بها.
ونتيجة لمساحة الثقة التى خلقتها مصر لروسيا فى المنطقة، تزايدت فى الإمارات أيضا قناعة بأهمية دور موسكو فى المنطقة والسياسة الجديدة التى ينتهجها بوتين بضرورة لعب دور فاعل فى جميع قضايا الشرق الأوسط وتطوير العلاقات مع جميع الدول، ومن المنتظر أن تساهم زيارة الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى روسيا فى تحقيق نوع من التوازن بالمنطقة، وإيجاد حلول فاعلة للأزمات الحالية بعد أن ثبت بالدليل القاطع فشل الولايات المتحدة.
وكانت آخر زيارة لمحمد بن زايد إلى موسكو فى أكتوبر ٢٠١٤، وأعقبتها خطوات إيجابية لتعزيز علاقات البلدين، كما شهد مايو الماضى مباحثات مهمة بين وزير الخارجية الإماراتى «عبدالله بن زايد» ونظيره الروسى «سيرجى لافروف»، أكدا خلالها ضرورة حل الأزمة السورية والعمل على استقرار المنطقة.
لافروف أكد أيضًا حينها استعداد بلاده لمساعدة الإمارات بكل قوة فى ملف محاربة الإرهاب، سواء على المستوى الثنائى أو فى المحافل الدولية، بمشاركة دول أخرى، منوها بأن روسيا تنوى تعزيز العلاقات فى جميع المجالات مع الإمارات العربية المتحدة، التى بدأت تلعب دورا ملحوظا فى الأزمة السورية، وتؤكد ضرورة إيجاد السبل لإنهاء معاناة الشعب السورى، وهو ما سيجعل الشأن السورى يحتل جانبا كبيرا من مباحثات بين زايد وبوتين.
الملف النووى الإيرانى، والاتفاق الأخير بين طهران والقوى الدولية، سيكون وجبة أساسية فى المباحثات، نظرا إلى رغبة الإمارات فى الحصول على ضمانات من روسيا التى تعد من أقوى الدول المساندة والمؤيدة لإيران طوال المفاوضات النووية، بأن برنامج طهران النووى لن يشكل تهديدا على الخليج، كما أن زايد ربما يطلب وساطة روسية لإنهاء الاحتلال الإيرانى للجزر الإماراتية الثلاث.
روسيا من جانبها استبقت زيارة محمد بن زايد، بإعلانها العمل على افتتاح مكتب لبعثتها التجارية فى أبو ظبى، وذلك لتطوير العلاقات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، وأصدر رئيس الحكومة الروسية ديمتري مدفيديف، تعليمات بذلك.
التعاون العسكرى بين البلدين حقق تقدما ملحوظا مؤخرا، وأصبحت الأسلحة الروسية مثار اهتمام الإمارات خاصة، ودول الخليج عامة، منذ المشاركة الفاعلة لشركات الأسلحة الروسية فى معرض «آيدكس ٢٠١٥» للأسلحة فى الإمارات، مطلع العام الحالى، ولن تكون الأسلحة الروسية بعيدة عن مفاوضات وزير الدفاع الإماراتى وبوتين، خاصة بعد أن أبدت السعودية من قبل اهتمامها بالحصول على أسلحة روسية، وبخاصة منظومة الصواريخ الاستراتيجية «إسكندر».
ويعد تعزيز الترسانة العسكرية الإماراتية هدفا رئيسيا الآن فى ظل المتغيرات الحالية، ما بين الحرب على الإرهاب والاتفاق النووى الإيرانى وعمل طهران على تعزيز قدراتها العسكرية بعد رفع العقوبات والحظر المفروض عليها.
فشركة «روس أوبورون إكسبورت» الروسية وشركة (إمارات ديفينس) كبرى شركات الدفاع والتكنولوجيا الإماراتية، وقعتا مذكرة تفاهم عسكرية، فى فبراير الماضى، فى إطار معرض الصناعات الدفاعية الدولى «آيدكس» ٢٠١٥ فى أبو ظبى، تلتزم بموجبها روسيا بتركيب مدافع روسية من عيار (٥٧ ملم) على هياكل العربات والآليات العسكرية المنتجة فى الإمارات من طراز (أو ٢٢٠ أم)، لإدماج هذا النوع من قطع المدفعية الروسية.
ووفقا للشركة المصنعة «روس أوبورون إكسبورت»، فإن ذلك النوع من القطع المدفعية التى تنوى روسيا تركيبها فوق الآليات الإماراتية، تستخدم لتدمير الأهداف الجوية والبحرية، وغيرها من الأهداف الساحلية، كما أنها مصممة للسفن الحربية التى تطفو فوق سطح الماء، كما تستطيع تلك المدفعية ضرب الزوارق المحملة بالصواريخ.
وبالنسبة للأردن، كان هناك العديد من الأسباب والدوافع التى جعلت لزيارة العاهل الأردنى الملك «عبدالله الثانى»، المقررة الأسبوع القادم إلى روسيا، طبيعة وأهمية خاصة، إذ إن الأردن من دول الجوار المباشر مع سوريا، ومتأثر بالصراع الدائر حاليا هناك، فضلا عن رغبة المملكة الهاشمية فى تطوير علاقتها العسكرية والنووية مع موسكو.
آخر زيارة للعاهل الأردنى إلى روسيا كانت فى ٩ إبريل ٢٠١٤، وهو ما يعنى أن الملك عبدالله يحرص على زيارة موسكو للعام الثانى على التوالى، لمناقشة القضايا الإقليمية المهمة التى تلعب فيها روسيا دورا مؤثرا فضلا عن تعزيز التعاون المشترك بين البلدين.
وعلى الصعيد العسكرى من المتوقع أن يحضر الملك عبدالله أيضا استعراضا جويا ستنفذه شركات روسية خلال أيام بحضور الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وقد أشارت صحيفة «موسكو تايمز» إلى أن ملك الأردن مهتم بشدة بالأسلحة الروسية، ويحمل على عاتقه تطوير جيشه وتزويده بأحدث المنظومات الهجومية والجوية، وأنه من المتوقع أن يزور معرض «MAKS» الجوى يوم افتتاحه الأسبوع القادم فى روسيا.
الصحيفة اعتبرت أن ذلك يعنى إبرام اتفاقيات كبرى بين روسيا والأردن، خاصة فيما يتعلق بالطائرات الحربية التى تتميز بقدرات القتال الأرضى وذلك لمحاربة «داعش»، ومن المتوقع أيضا أن يجرى بحث الحصول على أسلحة أخرى منها المنظومات الصاروخية إسكندر، وكذلك طائرات مروحية هجومية.
الإطار نفسه يجعل العالم ما زال يترقب لحظة وصول العاهل السعودى الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إلى موسكو، فى زيارة أكدت الرياض أنها ستكون قبل نهاية العام، لكن الكثير من المصادر تتوقع أن تكون فى القريب العاجل جدا، نظرا لتطورات الأوضاع فى المنطقة.
ومن المنتظر أن تشهد زيارة الملك سلمان التوقيع على اتفاقيات كبيرة سواء اقتصادية أو عسكرية أو نووية، وجميعها جرى الترتيب لها من قبل أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد وزير الدفاع السعودى إلى موسكو، ثم زيارة وزير الخارجية «عادل الجبير».
ووفقا لموقع «لينتا» الإخبارى الروسى، فإن الزيارة ستشهد عرضا كاملا لأحدث ما توصلت إليه الترسانة العسكرية الروسية، على الملك والوفد المرافق له، إضافة إلى توقيع فعلى على اتفاقيات عسكرية، من المتوقع أن تشمل توقيع عقد منظومة صواريخ «إسكندر» Iskander-E» الهجومية، والتى تحتاج إليها السعودية بشدة فى الوقت الحالى لإحداث نوع من التوازن الاستراتيجى مع المنظومات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب طائرات هجومية متطورة تصلح للاستخدام فى جميع الميادين، خاصة فى اليمن التى تخوض فيها السعودية حربًا ضد المتمردين الحوثيين، الموالين لإيران، منذ مارس الماضى. الموقع أشار أيضا إلى أن السعودية وبشكل خاص، ربما ترغب فى شراء نماذج مروحيات « Ka-٥٢» الهجومية الروسية التى صممت لتتناسب مع المهام البحرية على متن حاملتى المروحيات الفرنسيتين «ميسترال» التى طلبتها من روسيا فى ٢٠١١، وألغت فرنسا تسليمها العام الماضى، خاصة بعد تقارير أشارت إلى أن السعودية ومصر طلبتا شراء حاملتى الطائرات الفرنسيتين، وإضافة إلى كل ما سبق، فقد جرى الاتفاق على إنشاء ١٦ مفاعلا نوويا فى السعودية بتكنولوجيا روسية.
-------------------