بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
للوقت أهمية كبرى في حياة المسلم، فهذه الأنفاس التي تذهب لن تعود والعمر الذي قدره الله عز وجل للإنسان يجب استثماره في ما ينفع الإنسان في دنياه وآخرته..
ومن أهمية الوقت أن الله عز وجل أقسم به في غير ما موضع من كتابه، فقال جل وعلا: (والعصر)، وقال سبحانه: (والفجر)، وقال سبحانه: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل: 1، 2]، وقال سبحانه: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى: 1، 2]، فأقسم سبحانه وتعالى بهذه الأوقات في كتابه، ولله عز وجل أن يقسم بما يشاء.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: ((نعمتانِ مغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصِّحَّة والفراغ)) (رواه البخاري).
وهذه الأيام والأعمار والأوقات تمضي فلا تعود، ويؤكد هذه المعنى ما روي عن عمر بن عبدالعزيز في قوله: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما"، وقول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك".
يقدم ماكدويل (1981) تلخيصًا لبعض الآراء التي ذكرها الباحثون في ميدان الفراغ حول أهمية أنشطته:
1- تعطي أنشطة الفراغ وخبراته الفرد شعورًا عاليًا بالتحرك نحو هوية مرغوبة.
2- تعطي أنشطة الفراغ وخبراته الفرد قيمة.
3- تعطي أنشطة الفراغ وخبراته للفرد شعورًا عاليًا بالتعبير الذاتي وضبط الذات.
4- تتبع أنشطة الفراغ وخبراته فرصًا للتعليم وللإنجاز وتحقيق الذات والنمو الذاتي.
5- تتيح أنشطة الفراغ وخبراته فرصًا من التحدي والطموح، الراحة والاسترخاء، اللعب والراحة، الاجتماعية والوحدة، البناء والتشتت بين كثير من الأنشطة المتوازنة.
6- تسمح للفرد أن يكتشف الأطر الخارجية للتحمل والجدة والتعقد وعدم الألفة والضغوط والمهارة.
7- تضمن للفرد شعورًا بالخصوصية مستقلة عن الجماعية، وكذلك بعيدًا عن الأماكن العامة.
8- تتسق أنشطة الفراغ مع ضمير الفرد.
9- تختار أنشطة الفراغ كأشياء إيجابية في حد ذاتها يمكن أن يظهر فيها جانب من تقديرهم لذواتهم.
10- تسمح للشخص أن ينوع في مستويات الود والرضاء مع الآخرين ومع نفسه أو بيئته.
11- أنشطة وقت الفراغ تجمل أو تعوض بعض مشاغل الحياة؛ مثل: العمل، أو الأسرة.
فيجب على المسلم أن يستثمر وقته فيما ينفعه في دنياه وآخرته، ولا تذهب حياته دون فائدة ولا معنى.
ومشكلة الفراغ لدى الطلاب حجمها كبير، ويزيد حجم المشكلة عند هذه الفئة من المجتمع لعدة أسباب؛ منها: وفرة الوقت وعدم تحمُّل كثير من المسؤوليات ووجود الصحة والنشاط والطاقة، والتي لا بد أن يتم استثمارها في مكانها الصحيح.
ويظهر حجم مشكلة الفراغ لدى الطلاب، من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه: "لن تزلا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل - وذكر منها- عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه"، والمتأمل هذا الحديث يعي أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص الشباب الذي هو جزء منه من العمر لأهمية هذه المرحلة في حياة الإنسان، ولهذا قيل: مرحلة الشباب قوة بين ضعفين (الطفولة والشيخوخة).
ولا شك أن الفراغ له أضرار جسيمة، وقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قوله: (إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً فارغًا، لا في عمل دنيا، ولا في عمل آخرة).
ومن أضرار الفراغ:
1- أن الفراغ يجعل الإنسان يسير بلا هدف ولا معنى في هذه الحياة.
2- الفراغ يساعد الإنسان على ارتكاب المعاصي إذ لم يزاحم وقته بالطاعات وعمل الخيرات.
3- الفراغ يبعث في نفس المؤمن الملل واليأس، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
4- الفراغ يدل على ضعف الهمة وقلة الوعي وسوء التخطيط.
إلى غير ذلك من الأضرار التي يجب التنبه لها والعمل على تجاوزها إلى مرحلة إشغال النفس بالخير وفيما ينفع الناس.
للأسرة دور كبير في تنشئة وتربية أبنائها، وهو جزء من عملية التربية التي تشرف عليها الأسرة والتي تعتبر المحضن التربوي الأول للطفل.
وتعامل الأسر مع أوقات الفراغ هو جزء من عملية التربية، ويجب على الأسرة استثمار أوقات الفراغ بالشكل الصحيح الأمر الذي ينعكس إيجابيًّا على حياة الفرد ومستوياته المهنية والشخصية والاجتماعية، كما يرى المختصون في علم الاجتماع؛ حيث يجمعون على أنه يوازي أهمية أوقات العمل كونه يُعنى بتنمية الذات الفردية وتطويرها.
وتتحمل الأسرة مسؤولية تعويد الأبناء على الاهتمام بالوقت وتنظيمه منذ الصغر، إذا عودتهم الاستيقاظ في مواعيد محددة، وعودتهم الالتزام بما قطعوه على أنفسهم من مواعيد ومواثيق، ورسمت لهم كيفية تنظيم الوقت وحسن إدارته؛ من خلال تدريبهم على توزيع الوقت باعتدال بين القراءة وحل الواجبات، والاستفادة من التقنيات الحديثة؛ كالكمبيوتر والإنترنت في إثراء المعارف، وتعدُّد مصادر المعلومات، ومزاولة الألعاب المفيدة، وحضور المحاضرات والندوات، وتعويدهم الاستفادة من أوقات الفراغ بالقراءة والاطلاع، وبخاصة في أوقات الانتظار في مواقف السيارات، أو عيادات الأطباء، أو في الدوائر الرسمية وغيرها.
ومشكلة استغلال وقت الفراغ مشكلة تؤرق الجميع، لا سيما الأسرة لكيفية استغلال أبنائهم لوقت فراغهم، وهذا يعود لضعف الخطط المرسومة للفئة العمرية المخطط لها، وطبيعة المرحلة من حيث خصائص النمو العقلي والنفسي والاجتماعي.
بداية لا بد من التخطيط الجيد لهذه المرحلة، ولا بد من مراعاة الآتي:
1- المرحلة العمرية التي يعيشها الابن ومعرفة طبيعتها.
2- معرفة اهتمامات الابن وجوانب الذكاء فيه، ويمكن الاستفادة من مقاييس الذكاء في هذه النقطة.
3- معرفة واقع البرامج المطروحة والقائمين عليها.
بعد ذلك تخطط العائلة مع إشراك الابن للاستفادة من أوقات الفراغ، من خلال كتابة خطة سنوية وشهرية ويومية، والالتزام بها وتحفيزه على التمسك بها، ومعاقبته في حال التقصير في ذلك، من خلال كتابة أهداف يجب إنجازها وَفق جدول معد لذلك، ويستفاد من الكتب التي تحدثت عن التخطيط الجيد.
تقبلوا تحياتي