لفظة " ديمقراطية " غير عربية في الأصل بل تمت استعارتها من اللغة اليونانية القديمة ، وهي اصطلاح يوناني قديم , مركب من كلمتين« Demos ديموس » أي : الشعب , و « Kratrs كراتوس » أي : السلطة , فيكون معنى اللفظة مركباً : « سلطة الشعب » فتصبح في معناها الأدقّ: وضع السلطة بأيدي الشعب ، أي تمكينه من الحكم.
ويمكن القول إن أوّل من مارس الديمقراطية المباشرة بمعناها الواسع هم أهالي مدينتي أثينا وأسبرطة في القرن الرابع قبل الميلاد ، وأنّ «حكم الشعب» هذا كان مطبّقاً بصورة مباشرة في كلتا المدينتين المذكورتين ، وكانت لفظة الديمقراطية ـ المباشرة ـ منطبقة على الواقع تمام الانطباق.
وما دامت الديمقراطية هي «حكم الشعب نفسَه بنفسه ولنفسه» كما هو معناها اليوناني الأصلي، فهي، بالتالي، عبارة عن ممارسة جمهور المواطنين للسلطة ممارسةً مباشرة: فالديموقراطية الحق لا تتأسس على التفويض والتمثيل ، بل على المشاركة مباشرةً في اتخاذ القرارات. فهي حكم الشعب لنفسه.
غير ان الديموقراطية تعرضت لسوء فهم كبير في مختلف دول العالم على أنها فقط « حكم الأكثرية» , وكأن هذه الأكثرية هي لعنة على بقية فئات الشعب.. فقانون الأكثرية لا يضمن احترام الفريضة الأخلاقية التي تؤسس للديموقراطية ، إذ يمكن لدكتاتورية الكثرة أن تكون أشرس من استبداد الفرد الواحد.
فإذاً الديموقراطية ليست فقط صندوق إقتراع يفوز به ٥١% و يسحق الآخرين ، هي ثقافة قبول للآخر والحفاظ على الأقلية . والدولة التي تَحصُر الديموقراطية بصندوق تلقَّم به أوراق لا يمكن أن تكون دولة ديموقراطية. إذ ليست لرأي المواطنين ، في « ديموقراطية تمثيلية »، أهميةٌ تُذكَر إلا لحظة الانتخابات ، وربما الاستفتاءات. إذا كان جوهر الديموقراطية هو القرار العام ، فلا شيء إذ ذاك أقل ديموقراطيةً من مجتمع ليس للمواطن فيه واقعيًّا من إمكان للقرار سوى في عزلة مقصورة الاقتراع.
كما إن الديمقراطية تقوم أساساً على مبدأ السيادة الشعبية , وأن الشعب هو صاحب السلطة ، ولا معقب عليه في ذلك ، لأنه صاحب السيادة. يعني ذلك أن لا سلطة فوق سلطة الشعب.
خلاصة القول: إن سلطة الشعب كلية ، وهي السلطة الأقوى والأسمى , لأنها رأس وقاعدة النظام الديمقراطي برمته. فغيابها يعني الاستبداد ووجودها يعني الحرية والديمقراطية.
بقلم اشتيوي مفتاح الجدي