من خلال أحداث تاريخية عنيفة مرت بها الأمة ، و ما نراه اليوم من وحشية وفضائع باسم الاسلام، لن يكون صادما اذا قلت أنه مجرد إعادة إنتاج للماضي بطرق مختلفة، جرائم ووحشية داعش ليست غريبة عن أمتنا الإسلامية ... هكذا يقول التاريخ..
إن توقف الأمة عن مراجعة ذاتها تاريخيا، و سياسيا ،و اجتماعيا ،و الوقوف على مكامن الضعف فيها، يزيد من فرص الاعداء للتغلغل فينا ، وتعميق الهوة بيننا...
وبدلا من اضاعة وقتنا في اللهث وراء الغرب ،و إسقاط حق الأمة في امتلاك العلم و التقنية التى تساعدها أن تكون رقما صعبا في المعادلة الدولية من المفترض تصحيح مسارنا بعرض تاريخنا و ماترتب عليه من تراكمات بالنقد و الدراسة.
وبالعودة إلى بيت القصيد وموضوع المقال الباحث في أسباب أعمال العنف، و التنكيل بالخصوم التي يتضح لنا بجلاء أنها ليست غريبة عن تاريخ الأمة ...
لقد استخدم بعض ولاة الأمويين عقوبة الحرق بالنار ضد القوى الثائرة في وجوههم انذاك ،و لعل أبرزها حرق المغيرة بن سعيد العجلي حيا بأمر من خالد القسري حاكم العراق، و في أوائل العهد العباسي تم قتل الكاتب عبدالله بن المقفع حرقا بأمرا من سفيان بن معاوية أحد ولاة المنصور..
لم يكتف العباسيون بذلك فقد طوروا وخلقوا طرقا جديدة للتخلص من الخصوم فقاموا بشي الضحايا على نار هادئة، و منها مافعله المعتضد في محمد بن الحسن المعروف بشيلمة أحد قادة الزنج في البصرة، و لقد اعطاه المعتضد الأمان ثم اكتشف أنه يواصل نشاطه المعادي سرا فأمر بنار فاوقدت ثم شد على خشبة من خشب الخيم ،و أدير على النار كما يدار الشواء حتى تقطع جلده ثم ضرب عنقه ..
ويمكن لكل قارئ العودة الى كتاب تاريخ الطبري للوقوف على تلك الحقائق ، و كذلك كتاب ابن النديم الفهرست، و لقد احتفظت ثنايا الكتب التاريخية بالكثير من هذه المشاهد المؤلمة ،و التى لا علاقة لها بالدين الإسلامي ...
الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ارتفاع بعض الاصوات التى تلصق هذه الافعال بالإسلام في تجنٍ واضح على الدين حيث يجب التمييز بين الإسلام ، و بين أفعال أو أعمال بعض المسلمين،
ان وضع الإسلام ،و اعمال بعض معتنقيه في ذات الطبق يعد حكما مجحفا في حق ديننا ،و يخلوا من المنطق في أسلوب بناء الاحكام ...
من المهم جدا أن تتحرك الأطر الفعالة في الأمة لتبصير مجتمعاتنا بالحقيقة لكي لا تستغل القوى الخارجية حالة عدم الوعي الكامنة لدى البعض لتسخير أبناء الأمة العربية و الإسلامية لضرب ذواتهم و استنزاف مواردهم ،و طاقاتهم البشرية فيما لا يعود عليهم بالنفع و الفائدة.
إن الانشغال المتزايد للمفكرين و المثقفين بالأمور الطوباوية كوّن هوة ،و شرخا كبيرا بين الأمة ،والمثقف ،و الثقافة ...
من الضروري تناول مثل هذه الموضوعات ذات الأهمية الكبرى التى تمكن أمتنا من مفاتيح الوعي و الإدراك ،و التقدم نحو المستقبل من خلال تناول برامج إدارة العقول، و البرمجة اللغوية العصبية التى تعمل وفقها بعض وسائل الإعلام العربية ،و الغربية..
من الجدير بالذكر أن مانراه اليوم من ضجة كبيرة حول تأثير وسائل الإعلام وحدها دون غيرها على المتلقي مجرد تضليل للعقول ،و ابعادها عن المسار السليم للفهم ، فوسائل الإعلام لا تملك تأثيرا سحريا على المتلقي بل أنها تبحث في العوامل الساكنة ،و الكامنة لدى المتلقي فتحركها عبر رسائلها فيتفاعل معها ، كذلك الحال بالنسبة للقوى التى تعمل على تجنيد ابناء الأمة خدمة لمأربها القذرة..
إن مايجري هو نتاج تراكمات تاريخية في حاجة لدراسة ،و توضيح لتدارك بعض أخطاء الماضي الفادحة ،و شرح مايجب فعله ،و مايجب أن نكون عليه كأمة في دائرة العصر الذي نعيشه ... و للحديث بقية.
بقلم أحمد الصويعي