تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 1 |
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ))، المراد به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أصله "المتزمل"، من باب التفعل، ثم أدغمت التاء في الزاء، وجيء بهمزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن، ومعنى "تزمل": تلقف في ثوب ونحوه، فقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتزمل بثوبه وينام، فخوطب بهذا الخطاب لمناسبة الحالة للأمر المتوجه إليه في قيام الليل. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 2 |
((قُمِ)) في ((اللَّيْلَ)) لأداء صلاة الليل، ((إِلَّا قَلِيلًا)) منه، فلك أن تنام فيه. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 3 |
ثم بين سبحانه مقدار القليل الذي سمح للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنوم فيه بقوله: ((نِصْفَهُ))، أي نم في مقدار نصف الليل، ((أَوِ انقُصْ مِنْهُ))، أي من النصف ((قَلِيلًا)) بأن تضيف على سهرك، فيكون نومك أقل من النصف. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 4 |
((أَوْ زِدْ عَلَيْهِ))، أي على النصف بأن تضيف على نومك، فيكون نومك أكثر من النصف، والحاصل أن المأمور به السهر بمقدار نصف الليل أو أكثر من النصف، أو أقل من النصف، والمحور النصف، ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ))، أي اقرأه قراءة متوسطة لا بسرعة ولا ببطء زائد،((تَرْتِيلًا)) تأكيد لـ"رتل"، وقد سئل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الآية فقال: "بيّنه بياناً، ولا تَهُذّه هَذَّ الشعر،" أي لا تسرعونا <تسرعون؟؟> في قراءته كما تسرعون في قراءة الشعر، "ولا تنثره نثر الرمل،" أي لا تفرقوا بعضه عن بعض كنثر الرمل، "ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة." |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 5 |
((إِنَّا سَنُلْقِي))، أي سنوحي ((عَلَيْكَ)) يا رسول الله ((قَوْلًا ثَقِيلًا))، أي كلاماً يثقل عليك القيام به - والمراد به القرآن، فإنه يثقل على الإنسان العمل به - أو الرسالة - فإنه يثقل أداؤها - أو القيام بالليل. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 6 |
كما فسر قوله تعالى: ((إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ))، أي ساعات الليل، لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة، والمقصود العمل فيها أو المراد العبادة تنشأ في الليل، ((هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا))، أي أكثر ثقلاً وكلفة لصعوبة القيام ليلاً شتاءاً لبرد الهواء وصيفاً لقصر الليل، ولعل المراد كونها أشد من ناشئة النهار، ((وَأَقْوَمُ قِيلًا))، أي قول الليل وعبادته أكثر قواماً واستمساكاً لأنه يؤدي بحضور القلب وتوجه الذهن، ولأن أفضل الأعمال أحمزها. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 7 |
((إِنَّ لَكَ)) يا رسول الله ((فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا))، "السبح": التقلب، ومنه المتقلب في الماء سابحاً، أي تقلباً في أشغالك ((طَوِيلًا))، من إراءة الطريق والإرشاد وسائر الأعمال، فلا يتأتى منك أن تعبد كما ينبغي، ولذا جعل الليل للعبادة، وقد روي أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان بعمل طول النهار، ويعبد طول الليل، فقيل له: "يا أمير المؤمنين ألا تهدأ؟" قال: "إذا هدأت النهار كان فيه ضياع الأمة، وإذا هدأت الليل كان فيه ضياع نفسي." |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 8 |
((وَاذْكُرِ)) يا رسول الله ((اسْمَ رَبِّكَ)) بأن تعبده وتخضع له، ((وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا))، "التبتل" هو الانقطاع إلى الله عز وجل وإخلاص العبادة له، من "بتل" بمعنى قطع، وإنما قال "إليه" لأن الانقطاع عن الخلق إليه، لا كون الانقطاع عنه. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 9 |
ثم بين "ربك" بقوله: ((رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ))، هو كناية عن الكون، لأن من بيده المشرق والمغرب كان بيده العالم كله، ((لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))، فلا شريك له كما يزعم المشركون، ولذا لا يحق العبادة لغيره، ((فَاتَّخِذْهُ)) يا رسول الله ((وَكِيلًا))، أي حفيظاً للقيام بأمرك، وفوض إليه أمرك. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 10 |
((وَاصْبِرْ)) يا رسول الله في توحيدك ونبذ الأصنام ((عَلَى مَا يَقُولُونَ))، أي الكفار حولك من أنك ساحر أو كاهن أو مجنون أو ما أشبه ذلك،((وَاهْجُرْهُمْ))، أي ابتعد عنهم، ((هَجْرًا جَمِيلًا)) بأن تدعوهم إلى الهدى في عين حالة الهجر، بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 11 |
((وَذَرْنِي))، أي دعني لهم، فأنا أكفيك شرهم، ((وَالْمُكَذِّبِينَ)) برسالتك وما جئت به، ((أُولِي النَّعْمَةِ))، أي أصحاب الثروة وغيرها من سائر النعم، فكل جزائهم إليّ، ((وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا))، أي أنهم بعد قليل سيقعون في العذاب عذاب الدنيا - في قصة بدر - وعذاب الآخرة، وقوله "مهلهم" كناية عن الصبر معهم، وهذا تهديد للكفار. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 12 |
((إِنَّ لَدَيْنَا)) في الآخرة، والمراد بـ"لدينا": لدى حسابنا وجزائنا، ((أَنكَالًا)) جمع "نكل" وهي القيود والأغلال، ((وَجَحِيمًا))، أي ناراً كثيرة، فإن جحيم بمعنى ذلك، وهي من أسماء جهنم. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 13 |
((وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ))، "الغصة" تردد اللقمة في الحلق بحيث لا يتمكن الإنسان من إساغتها، أي أن أطعمة النار المهيأة لهم ذات غصة فلا يتمكن المجرم من إساغتها إلا بعد علاج وصعوبة، ((وَعَذَابًا أَلِيمًا)) مؤلماً موجعاً. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 14 |
إن هذه الألوان من العذاب إنما هي في ((يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ))، أي تتحرك وتضطرب، فإن الزلزال من علائم يوم القيامة، كما قال سبحانه (إن زلزلة الساعة شيء عظيم)، ((وَالْجِبَالُ)) لتكثير الهول، ((وَكَانَتِ الْجِبَالُ)) في ذلك اليوم ((كَثِيبًا مَّهِيلًا))، "الكثيب": الرمل المتجمع الكثير، و"المهيل" هو السائل المتناثر، من هال: إذا حرك أسفله فتحرك وسال أعلاه، أي يكون الجبال هكذا سائلة في الأرض. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 15 |
((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ)) أيها الكفار ((رَسُولًا))، يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((شَاهِدًا عَلَيْكُمْ)) بما تعملون من الاعتقاد والعمل الصحيح أو الفاسد ((كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا)) وهو موسى (عليه السلام). |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 16 |
((فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) بأن لم يطع أوامره بل خالفه وعانده، ((فَأَخَذْنَاهُ))، أي أخذنا فرعون ((أَخْذًا وَبِيلًا))، أي شديداً ثقيلاً بإغراقه في البحر، وهكذا أنتم إن لم تؤمنوا أخذناكم بصنوف العذاب. |
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المزمل | 17 |
((فَكَيْفَ تَتَّقُونَ)) أيها الكفار، أي تجتنبون ((إِن كَفَرْتُمْ)) في الدنيا ((يَوْمًا))، أي من عذاب يوم - وهو مفعول "تتقون" - ((يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ)) جمع ولد، ((شِيبًا)) جمع أشيب، وهو البالغ سن الشيب والشيخوخة، فإن يوم القيامة لشدة أهوالها يجعل الأولاد في صورة الشيوخ ببياض الشعر ونحوه، أي هل تتمكنون من الاتقاء عن عذاب يوم القيامة؟ وإذ لا تتمكنون فكيف تكفرون حتى تبتلوا به؟ |