كتاب ( سقوط الاخوان )
الكاتب والسياسى المصرى ... مصطفى بكرى في وقت مبكر من صباح الخميس 16 مايو وقعت عملية الاختطاف، سبعة من الجنود المصريين، كانوا في طريقهم من رفح إلي العريش، كانوا يرتدون الملابس المدنية، تم إيقافهم عبر مسلحين ملثمين يحملون أنواعًا متقدمة من الأسلحة، كانت لديهم معلومات دقيقة، تفحصوا بطاقات الهوية للركاب، تم إيقاف العسكريين السبعة، ومضوا بهم إلي مكان مجهول.
وصل الخبر سريعًا إلي الجهات الأمنية والعسكرية، دعا الفريق أول عبد الفتاح السيسي عددًا من القادة العسكريين، تدارس الموقف وشكَّل خلية أزمة أدارت غرفة العمليات لمتابعة الحدث ووضع جميع السيناريوهات.
صدرت التعليمات علي الفور إلي اللواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني الميداني، بوضع القوات علي أهبة الاستعداد، أُعلنت حالة الطوارئ داخل الجيش الثاني، أجري الفريق السيسي اتصالات بوزير الداخلية ومدير المخابرات العامة لتبادل المعلومات حول ما جري وآليات التعامل مع الحدث.
في هذا اليوم، ألغي القائد العام جميع مواعيده واجتماعاته وراح يتابع الحدث أولاً بأول، رئاسة الجمهورية أعلنت عن عقد اجتماع صباحًا بحضور الرئيس ووزيري الدفاع والداخلية ومدير المخابرات العامة، ثبت عدم صحة الموعد، مصدر عسكري نفي ذلك، تم تحديد موعد لاحق مساء اليوم ذاته.
كانت الأجواء ساخنة، الشارع يغلي، الناس تتساءل: ماذا حدث؟ كيف؟ ومتي؟ وماذا يريدون؟ جماعة الإخوان المسلمين التزمت الصمت، هدوء أعصاب غير طبيعي في التعامل مع الحدث، مكتب الإرشاد أعد السيناريو وطلب من الرئيس ضبط النفس.
لم يكن ذلك هو الحادث الأول، إنها سلسلة طويلة ومستمرة، وحتي بعد قتل الجنود المصريين، في رفح، في '5' أغسطس من العام 2012 كان هناك سبعة حوادث كبري قد تلت هذا الحادث، ومع ذلك لم يحرك أحد ساكنًا.
في هذا الوقت من صباح الخميس 16 مايو، سرت شائعات عديدة تقول إن الرئيس محمد مرسي ربما يستغل هذا الحادث لعزل الفريق أول عبد الفتاح السيسي وعدد من قادة الجيش الآخرين، إنه إعادة إنتاج لسيناريو مذبحة رفح الذي تلاه بعد ذلك عزل المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وعدد من القادة العسكريين.
مصدر عسكري أصدر بيانًا قال فيه إن الجيش لن يسمح بأن يستغل هذا الحادث لعزل الفريق أول السيسي، وزير الدفاع، بأي حال من الأحوال، وكان ذلك تأكيدًا علي مصداقية الشائعة.
في مساء اليوم ذاته، عُقد الاجتماع بقصر الاتحادية، برئاسة الرئيس السابق محمد مرسي، وحضور وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، ورئيس المخابرات العامة السابق اللواء رأفت شحاتة.
كان الرئيس قبلها، قد رفض اقتراحًا بعقد اجتماع لمجلس الدفاع الوطني رغم خطورة الحدث، وقرر أن يقتصر الاجتماع علي وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة.
بدأ الرئيس السابق الاجتماع بالقول إن هذا الحادث يُعَدُّ جريمة مرفوضة، ولكن أثناء النقاش، أرجو أن نحرص علي عدد من الأمور الخاصة، نظرًا لحساسية الوضع، وهذه الأمور هي:
< إننا مع الحل السلمي ولسنا مع العنف وإراقة الدماء، وإننا كما نحرص علي سلامة المخطوفين، يجب أيضًا أن نحرص علي سلامة الخاطفين باعتبارهم جميعًا أبناء مصر، خاصة أن أي اعتداء علي الخاطفين قد يؤدي إلي إشعال الوضع في سيناء وربما أيضًا قتل المخطوفين.
< يجب التعامل مع هذا الحدث في حدوده، باعتباره حدثًا فرديًا، ولا يجب التضخيم منه، وإثارة الشارع، لأن البلد مش ناقصة.
< يجب التوقف عن الإدلاء بالتصريحات الإعلامية التي تحرض الناس، لأن الأمر حساس، ولابد أن نحرص علي احترام حقوق الإنسان، لأنني لن أقبل بأن يجرَّني أحد إلي الصدام.
فوجئ الحاضرون بالرئيس السابق محمد مرسي يُخرج ورقة من جيبه تتضمن مطالب الخاطفين، قرأ الرئيس الورقة وعدّد هذه المطالب علي الوجه التالي:
1 ـ وقف هدم الأنفاق التي تربط بين رفح وغزة.
2 ـ رفع جميع الكمائن الأمنية والعسكرية التي توجد في رفح والشيخ زويد.
3 ـ انسحاب الجيش والشرطة من بعض الأماكن الحيوية داخل سيناء.
4 ـ الإفراج عن جميع من اتُّهموا في تفجيرات طابا وشرم الشيخ والأزهر.
5 ـ إصدار عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بالإعدام غيابيًا.
كان الفريق أول السيسي محتدًا في هذا الاجتماع، قال بلغة حاسمة إن الجيش يغلي ولا يمكن أن نقبل بأي حال من الأحوال التفاوض مع الإرهابيين، وإلا انفلتت الأوضاع في سيناء وكل أنحاء البلاد.
وقال إن هذا الحدث هو استكمال لمخطط فرض السيطرة علي سيناء بواسطة هذه الجماعات الإرهابية التي هي علي تواصل مع تنظيمات متطرفة داخل قطاع غزة، وإن هناك تنسيقًا بين الطرفين.
وأكد السيسي أن هذه المطالب الخمسة تثبت صدق تحليله للحدث، وأن المسألة ليست مقصورة علي الإفراج عن المحكوم عليهم بالإعدام غيابيًا، وفي مقدمة هؤلاء: أحمد أبوشيتة، القضية أكبر وأخطر، والمخطط واضح ولا حل أمامنا سوي الردع والمواجهة، ونحن قادرون علي ذلك وبسرعة خاطفة.
وقال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم إن الجهات الأمنية داخل سيناء حددت مكان الخاطفين، وهم بالفعل ينتمون لتنظيمات أصولية إرهابية متطرفة، ولهم علاقة وتعاون مشترك مع تنظيمات داخل غزة.
أما رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة، فقد كان من رأيه التعامل مع الحدث سريعًا، لأن لديه معلومات تقول إن الخاطفين ربما يهربون بالمخطوفين إلي داخل غزة، ليلقوا ذات مصير الضباط الثلاثة وأمين الشرطة الذين سبق أن اختُطفوا في سيناء في فبراير 2011ولا تزال أخبارهم منقطعة حتي الآن.
كان الرئيس مرسي مستاءً من هذه المواقف، حاول استيعاب الجميع، وقال: لا بد أن نعطي فرصة للحوار، ضمانًا لحياة الجنود الأبرياء المختطَفين، وعد الرئيس بعقد اجتماع آخر، وطلب من المشاركين ضرورة متابعة الحدث وموافاته بالمعلومات أولاً بأول.
استمر المجتمعون لبعض الوقت، استأذن الرئيس وترك المجتمعين، توقف المشاركون أمام الورقة التي أخرجها الرئيس السابق من جيبه والتي تضمنت مطالب الخاطفين، وتساءلوا: كيف؟ ولماذا؟!
حتي هذا الوقت، لم تكن لدي أي من هذه الجهات معلومات حول هذه المطالب بالتفصيل، كان الكل يعتقد فقط أن المسألة يمكن أن تكون مقصورة علي الإفراج عن بعض المحكوم عليهم بالإعدام غيابيًا في مقابل الإفراج عن الجنود المختطفين، الآن تبدو الصورة أكثر وضوحًا.. إنها أجندة أخطر ما فيها هو: وقف إجراءات الجيش بهدم الأنفاق، إبعاد رجال الأمن والقوات المسلحة عن مناطق استراتيجية مهمة داخل سيناء، إلغاء الكمائن الأمنية في رفح والشيخ زويد.
لم يكن الرئيس مرسي مرتاحًا لقرار الجيش في وقت سابق بهدم الأنفاق، لكنه لم يستطع الاعتراض، لقد نصح ولكن الفريق أول السيسي اعتبر أن الأنفاق هي 'أس البلاء'، وقرر أن يستمر في إجراءاته رغم انتقادات الإخوان وحركة حماس، خاصة أن المعابر ظلت مفتوحة ولم يتم إغلاقها.
كانت معلومات الجيش تقول إن هذه الأنفاق يجري استغلالها في تهريب المواد الغذائية والبترولية من داخل مصر عبر شخصيات نافذة، وأن ذلك حقق للطرفين الفلسطيني والمصري مئات الملايين من الدولارات علي حساب الإضرار بالاقتصاد المصري والشعب المصري، وكانت المخاوف أيضًا من استغلال هذه الأنفاق في ارتكاب أعمال إرهابية وهروب المطلوبين من داخل مصر عبرها.
كان الجيش يعي ويدرك أن الأنفاق أصبحت خطرًا شديدًا علي الأمن القومي، لذلك اتخذ القرار غير عابئ بردود الفعل، وهو أمر تسبب في أزمة مكتومة بين الرئيس وجماعته والفريق أول عبد الفتاح السيسي.
أدرك الحاضرون أن الرئيس مصمم علي رأيه بالحل السلمي للأزمة، المخابرات العامة كانت قد حذرت، لقد رفع اللواء رأفت شحاتة تقريرًا قبل الحادث بـ48 ساعة إلي الرئيس محمد مرسي حذر فيه من أن عملية إرهابية ترتب لخطف عدد من جنود الجيش والشرطة في سيناء، تم رفع التقرير للرئاسة إلا أن الرئيس مرسي لم يتصرف واعتبر الأمر كأن لم يكن.
في يوم الجمعة 17 مايو 2013، استدعي مسئول مصري كبير خمسةً من قيادات حماس المقيمين داخل مصر وتحدث معهم بعنف وشدة، وحذر من خطورة المخططات التي تحيق بمصر، وقال إن لدي الجيش معلومات تضع علامات استفهام عديدة، وشدد علي ضرورة التوقف عن توجيه حملات الانتقاد للجيش بسبب موقفه من هدم الأنفاق، وقال إن الأمن المصري له الأولوية علي أي شيء.
كانت رئاسة الجمهورية في هذا الوقت قد أصدرت بيانًا أكدت فيه الحرص علي سلامة الخاطفين والمخطوفين، مما دفع الجميع إلي الاعتقاد يقينًا بأن هناك علاقة بين الإخوان والخاطفين، أدرك الجميع أن المسألة أكبر من أن يتم حصرها في إطار الحل السلمي، هناك من لا يريد الحسم، أو وضع حد لهذا الإرهاب الذي بدأ يستشري في سيناء.
كان الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد أعطي أوامره بنشر المعدات الحديثة والجنود في مناطق مهمة داخل سيناء استعدادًا للحظة الحسم، طلب مجددًا من الرئيس، بصفته القائد الأعلي للقوات المسلحة، الإذن بتوجيه ضربة قوية وبدء حملة عسكرية كبري داخل سيناء، إلا أن الرئيس قال إنه كلف جهات سياسية قريبة من هذه الجماعات بالتحاور معها، وإنه تلقي ردودًا إيجابية وأخبارًا سارة ربما يعلن عنها خلال الساعات المقبلة، وكانت الجهات السياسية التي تحدث عنها الرئيس هي مكتب الإرشاد وتحديدًا خيرت الشاطر مهندس العملية من أولها إلي آخرها.
وفي الاجتماع الذي جري يوم الأحد 19 مايو 2013 بين الرئيس والمجموعة نفسها لم يكن هناك جديد سوي إصرار الرئيس علي الحل السلمي للأزمة ومتابعة التطورات.
كانت جماعة الإخوان 'المسلمين' قد بدأت حوارًا غير معلن مع عناصر مقربة من الخاطفين، لم يكن الحوار جادًا، بل وسيلة لإضاعة الوقت، وأطلقت في هذا الوقت عددًا من عناصرها لتأكيد رفض الحل الأمني للأزمة. قال حسين إبراهيم 'الأمين العام لحزب الحرية والعدالة' يوم الأحد 19 مايو 2013 'إن موقف حزب الحرية والعدالة واضح في رفض سياسات العقاب الجماعي التي كان يتبعها النظام البائد مع أهالي سيناء، كما أن الحزب يرفض تمامًا الإفراط في استخدام القوة، وشدد علي ثقة الحزب في القيادة السياسية والعسكرية في اتخاذ القرارات الصحيحة التي تضمن سلامة الجنود المختطَفين'.
أما جمال حشمت، القيادي الإخواني، فقد قال 'إن تعامل مؤسسة الرئاسة بالتفاوض مع الخاطفين إنما جاء حرصًا من الرئيس علي عدم إراقة الدماء.. مؤكدًا عدم وجود خلاف بين الحرية والعدالة والمؤسسة العسكرية بسبب تعامل الرئاسة مع هذا الملف بالتفاوض'.
وهكذا كُشف النقاب عن أن المسألة أكبر بكثير من كونها عملية اختطاف توجب علي الجيش والأمن التعامل معها، كانت المسألة أكثر تعقيدًا، وكان هناك من يتوافق مع أهداف الإرهابيين ويتولي عملية الدفاع عنهم ولجم أي تحركات عسكرية أو أمنية ضدهم.
لقد اعتدت ميليشيات من جماعة الإخوان علي الجنود المصريين الذين أغلقوا معبر رفح وهددوا باتخاذ إجراءات عنيفة ضدهم، ولم يحرك ذلك ساكنًا لدي مؤسسة الرئاسة التي كانت تأتيها التعليمات والمعلومات من مكتب الإرشاد مباشرة.
كان مكتب الإرشاد هو الذي طلب من الرئيس السابق عقد اجتماع بالأحزاب والقوي السياسية لدعمه في الخيار السلمي لحل الأزمة، إلا أن الاجتماع الذي عقده الرئيس صباح الأحد 19 مايو اقتصر فقط علي أحزاب: الحرية والعدالة والوسط والنور والبناء والتنمية والإصلاح والتنمية، بينما قاطعت جميع الأحزاب الأخري هذا الاجتماع، لأنها كانت علي ثقة بأنه فخ سيصب في مصلحة الجماعة وخيارها في هذه الأزمة.
في هذه الأثناء، أعلن محمد ياسين 'القيادي بالجماعة الإسلامية' صحة ما تردد عن وجود خلاف بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية إزاء هذا الملف، وقال لـ'الحياة' إنه أثناء النقاشات مع 'الجهاديين' في سيناء بعد حادث قتل 16 جنديًا في رفح، حددت القوات المسلحة مكان عدد من المسلحين علي صلة بالحادث وكادت تضربهم بصاروخ لقتلهم، لكن الرئيس منع ذلك الأمر، وقال إن هذه الواقعة مؤكدة وأخذت نقاشات طويلة.
لقد أبلغ الفريق أول السيسي، الرئيس مرسي بموقف الجيش وإصراره علي ردع الإرهابيين ورفض جميع محاولات التأجيل، وقرر تعزيز قوات الجيش داخل سيناء، وصدرت التعليمات لقاعدة الجيش الثاني الميداني بإرسال المزيد من القوات، ووصل العديد من المروحيات التي تُقُّل فرقًا خاصة لديها القدرة الفائقة علي الاقتحام وتحرير الرهائن.
من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة حماس المقالة أنها أغلقت أنفاق التهريب ونقل البضائع بين مصر والقطاع، وأن منطقة الحدود باتت منطقة عسكرية مغلقة، حدث ذلك بناء علي طلب من قيادة الجيش المصري التي حذرت من خطورة انتقال الأفراد والبضائع خلال الساعات المقبلة.
بعد نشر الفيديو المهين للجنود المختطَفين الذي أشاد بمرسي وتعمد إهانة وزير الدفاع، سادت حالة من الغضب والاستياء داخل القوات المسلحة، حيث طالب بعض القادة بضرورة التحرك سريعًا لإنقاذ الجنود ووضع حد للانفلات الأمني داخل سيناء باعتبار أن ذلك من مهام الجيش في الدفاع عن الأمن القومي وحياة جنوده، بغض النظر عن مواقف الرئيس، خاصة أن هناك معلومات وصلت إلي هؤلاء القادة تؤكد أن العملية جرت باتفاق بين جماعة الإخوان وأطراف فاعلة علي الساحة الفلسطينية 'حماس وغيرها' وتحت رعاية خيرت الشاطر لتحقيق هدفين:
الأول: وقف استمرار خطة الجيش المصري في هدم الأنفاق التي تربط بين سيناء وغزة، ولذلك أرادوا إرباك الجيش وإجباره علي التوقف عن عمليات الهدم التي يقوم بها والتي أوقعت خسائر فادحة بأطراف مصرية تقوم علي أمر عملية التهريب، وعناصر وتنظيمات فلسطينية في المقابل.
الثاني: تشويه صورة الجيش لدي جماهير الشعب المصري، تمهيدًا لتمكين رئيس الجمهورية من عزل القائد العام، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ورئيس الأركان الفريق صدقي صبحي اللذين يقفان عقبة أمام تمرير العديد من المخططات.
مضت الساعات بطيئة، الرأي العام منشغل ويتابع تفاصيل الحدث أولاً بأول، حالة السخط الشعبي تتزايد، غير أن كل شيء كان قد اكتمل، الخطة المشتركة تمت مناقشتها بحضور القيادات العسكرية والأمنية، جري تحديد ساعة الصفر، قيادات المخابرات العامة والحربية بدأت تجري اتصالاتها بشيوخ وعواقل أبناء سيناء، الكل يحذِّر من أن الجيش والشرطة لن يلتزما الصمت، سوف يجري التعامل بكل حسم.
وصلت إلي منطقة العريش فرقة مكافحة الإرهاب، بقيادة عقيد 'شرطة'، كان القرار هو القيام بعملية انتحارية ضد الخاطفين بعد أن جري تحديد المنطقة التي يوجد فيها الخاطفون وتحديدًا في قرية صلاح الدين بالقرب من الجورة.
تم إرسال الفرقة في طائرة حربية خاصة، تمت معاينة المكان، قرر الضباط والجنود القيام بعملية انتحارية مهما كان الثمن في المقابل، قرروا التضحية بأنفسهم جميعًا لكنهم أبدًا لن يقبلوا بالاستسلام للخاطفين.
في اللقاء المشترك، طلبت القيادة الميدانية للجيش التمهل لبعض الوقت، جري التحرك عبر خطوط ثلاثة:
ـ الخط الأول: الضغط العسكري علي الخاطفين من خلال إرسال 50 مدرعة عسكرية إلي منطقة الجورة وصلاح الدين وإغلاق جميع المحاور الرئيسية في مناطق سيناء المختلفة، ومتابعة التحرك عبر الطائرات التي كانت تتجول في هذه المنطقة بقصد استكشافها وتحديد أماكن الخاطفين تحديدًا دقيقًا، ونشر قوات المظلات والصاعقة في جميع المحاور، مما شكل عبئًا نفسيًا كبيرًا علي الخاطفين والقوي الأخري المتطرفة.
ـ الخط الثاني: وتقوده المخابرات الحربية وتعاونها في ذلك المخابرات العامة والأمن الوطني.. ومهمة الجهات الثلاث تركزت في الاتصال بمشايخ وعواقل سيناء والطلب منهم المعاونة في الكشف عن هوية الخاطفين ومطاردتهم في القري التي يُحتمل هروبهم إليها، كما جرت اتصالات بأقارب من تمت معرفتهم من الخاطفين، وكانت الرسالة واضحة: نحذر من المساس بأرواح المخطوفين وإلا سيكون الثمن غاليًا.. مع رفض التفاوض مع الخاطفين أو الاستجابة لأي من مطالبهم.
ـ الخط الثالث: تمثل في التحرك الميداني علي الأرض من أبناء وأهالي سيناء الذين ضجُّوا من الإرهاب وعمليات الخطف والعنف التي تجري علي أرض المنطقة حتي باتت تعوق التنمية والاستقرار، هؤلاء سعوا منذ البداية إلي مساعدة قوات الجيش وتقديم جميع المعلومات الضرورية للمخابرات الحربية.
يوم الاثنين 21 مايو، أبلغ اللواء أحمد وصفي ـ الذي تولي قيادة العملية العسكرية ـ بعض المقربين إلي الخاطفين بأنه يمهلهم 24 ساعة بعدها ستبدأ الحرب العنيفة التي ستطال جميع المتورطين ولو أدي الأمر إلي قتلهم جميعًا.
كان الكل يدرك أن المخابرات الحربية والأجهزة المعنية الأخري توصلت إلي تحديد مكان الخاطفين وأن المسألة جد لا هزل فيها ولا تراجع، وأن الجيش أقنع الرئيس مرسي بأنه لا خيار سوي الحسم، ورفض التفاوض مع الخاطفين، خاصة أن ضباط وجنود الجيش اعتبروا أن أي تفاوض مع الخاطفين يعني أنه لن يكون هناك أمن في سيناء.
وفي التاسعة والنصف من مساء الإثنين 20 مايو بدأت العملية العسكرية الشاملة التي شاركت فيها قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة، ست عشرة مجنزرة حاصرت منطقة الجورة وصلاح الدين، قوات من جميع الفصائل المختلفة من جهازي الشرطة والقوات المسلحة.. رجال المخابرات الحربية استدعوا عددًا من أقارب الخاطفين وطلبوا منهم إقناع الخاطفين بالإفراج عن المخطوفين، ومع بدء الحملة العسكرية والأمنية كان بعض أهالي وأقرباء الخاطفين قد نجحوا في تهريب الجنود إلي قرية القريعة التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن بئر 'لحفن'.
في هذا الوقت وبعد إغلاق معبر رفح بواسطة الجنود المصريين، أدركت حركة حماس خطورة الأمر، تحركت من جانبها، نشرت رجالها علي الحدود وأمام المعابر لمنع وصول الخاطفين والمخطوفين حال عزمهم التوجه إلي غزة، وجرت اتصالات مشتركة مع مصر التي حذرت بدورها من أي تسهيلات تُمنح للخاطفين.
لقد استمرت العملية العسكرية أكثر من خمس ساعات وتحديدًا حتي فجر اليوم التالي الأربعاء 22 مايو، ثم كانت التعليمات من خيرت الشاطر.. أفرجوا عنهم.
بعد إطلاق سراح الجنود المصريين السبعة، تركهم من اصطحبوهم إلي هذا المكان وفرُّوا هاربين، وصل الجنود إلي سرية حراسة الحدود القريبة من بئر 'لحفن'، فوجئ قائد السرية بالجنود يدخلون عليه، بسرعة البرق أبلغ اللواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني، الذي كان يقود العملية الميدانية.
وصل اللواء وصفي إلي السرية بعد قليل، التقي الجنود، استمع منهم سريعًا لوقائع ما حدث، جري نقلهم إلي قيادة العريش، ارتدوا ملابس عسكرية، كان اللواء وصفي قد أبلغ الفريق أول عبد الفتاح السيسي بنبأ تحرير المخطوفين.
صدرت التعليمات من الفريق أول السيسي بإذاعة الخبر، جري إبلاغ العقيد أحمد محمد علي، المتحدث العسكري، الذي نشر الخبر في وقت مبكر من الصباح علي صفحته الرسمية، بعدها أبلغ وزير الدفاع، رئيس الجمهورية بوقائع الإفراج عن الجنود.
كانت التعليمات أن يصطحب اللواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني الميداني، الجنود المحرَّرين ومعهم عدد من قيادات المخابرات الحربية والعامة ووزارة الداخلية إلي قاعدة ألماظة علي متن طائرة حربية خاصة.
وصلت الطائرة مبكرًا وانتظرت وصول الرئيس مرسي والقائد العام الفريق أول عبد الفتاح السيسي لاستقبال الجنود، ظل اللواء وصفي والقيادات في الطائرة مع الجنود.
كانت إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة قد اتصلت في وقت مبكر بالصحفيين والمراسلين العسكريين للوجود في قاعدة ألماظة العسكرية، كانت الخطة تقول بداية إنه مع وصول الجنود، سوف يجري اصطحابهم إلي مبني الأمانة العامة لوزارة الدفاع.. إلا أن قرار الرئيس باستقبالهم جنبًا إلي جنب مع القائد العام، أربك الحسابات.
كان الفريق صدقي صبحي من أوائل القيادات العسكرية الكبري التي وصلت إلي هناك، ثم بدأ كبار المسئولين العسكريين والأمنيين ورجال المخابرات والسياسيين يصلون تباعًا.
وبعد التاسعة صباحًا بقليل، هبط الجنود برفقة القادة وكان الرئيس مرسي والقائد العام ورئيس الأركان ووزير الداخلية ومديرا المخابرات العامة والحربية وأيضًا رئيس الوزراء في استقبالهم، عقد الرئيس لقاء قصيرًا بحضور رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الأركان ومدير المخابرات العامة ومدير المخابرات الحربية استعرض فيه الموقف سريعًا.
بعدها ألقي الرئيس مرسي كلمة وسط جمع من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية وجمع من الإعلاميين والصحفيين، وجَّه فيها الشكر لمن قاموا بهذه العملية وأكد استمرارها، ودعا المسلحين في سيناء إلي تسليم أسلحتهم.
كانت وزارة الدفاع قد رتبت لعقد مؤتمر صحفي داخل مبني الأمانة العامة للوزارة، إلا أن الرئيس ارتأي عقد المؤتمر الصحفي في مقر الرئاسة بحضور المتحدث الرسمي باسم الرئاسة والمتحدث باسم القوات المسلحة والمتحدث باسم وزارة الداخلية وعدد من القيادات الأخري.
في هذا الوقت أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين تصريحًا طالب فيه بملاحقة المجرمين الذين قاموا باختطاف الجنود السبعة وبسط السيطرة الكاملة علي سيناء، وهي تصريحات تناقض ما طرحه العديد من القيادات الإخوانية في وقت سابق والتي ساوت بين الخاطفين والمخطوفين.
أما د.عصام العريان فقد راح يستغل الحدث علي طريقته، إذ أكد أن عودة الجنود تؤكد أنه لو تم الالتفاف حول مرسي لتقدمت مصر إلي الأمام بسرعة البرق، وهو أمر بقدر ما يثير السخرية، بقدر ما يثير الضحك، حيث صوَّر الأمر وكأن الرئيس هو الذي أفرج عن الجنود، مع أن الكل كان يعرف معارضته الشديدة علي مدي ستة أيام نزول الجيش أو القيام بهجمة عسكرية في سيناء.
كان السؤال المطروح: هل تم الإفراج عن المخطوفين من خلال صفقة خفية؟!
وكانت الإجابة تقول 'إن قيادات الجيش رفضت منذ البداية الدخول في حوار مع الخاطفين أو الاستجابة لأي من مطالبهم المعلنة، وكان الخيار الوحيد: لا بد من تحرير الجنود وتطهير سيناء من الإرهاب أيًا كان الأمر'!!
لقد لقيت القوات المسلحة والشرطة والمخابرات تعاونًا من جميع الجهات المعنية، خاصة أنه تم التوصل إلي معلومات هي غاية في الدقة عن أسماء العديد من الخاطفين والتعرف علي أقاربهم، وجري تحذير الجميع مما دفع الخاطفين ـ في إطار إدراكهم جدية الأمر ـ إلي التسليم وإطلاق سراح المخطوفين، بعد أن تلقوا تعليمات بذلك من خيرت الشاطر.
كانت التعليمات الصادرة من الرئاسة في هذا الوقت: لا تقبضوا علي الخاطفين، هناك مندوب من رئاسة الجمهورية سوف يصل إليكم، لا نريد مزيدًا من التوتر.
مضت الساعات، لم يصل مندوب من الرئاسة، أدرك الضباط والجنود أن الهدف كان هو تمكين الإرهابيين من الفرار، يبدو أن القبض عليهم كان سيكشف أبعاد المخطط وعلاقة الخاطفين بمن قتلوا الجنود في رفح في 5 أغسطس 2012، وغيرها من العمليات ومن يقفون خلفها، ولذلك صدرت التعليمات بترك الخاطفين وحال سبيلهم والعودة فورًا بالمخطوفين إلي القاهرة.
المصدر منتديات القوميون الجدد