أنغولا... إحدى محطات التوغل الإسرائيلي في القارة السوداء
تشعب التوغل الإسرائيلي في القارة السوداء ليصل إلى انغولا، إذ يعمل في هذا البلد عدد كبير من المستثمرين ورجال الاعمال الاسرائيليين في مجالات يتصدرها الألماس والنفط وتجارة السلاح والاستشارات الزراعية، وتكشف معطيات عبرية النقاب عن استيطان عدد كبير من قادة أجهزة الامن الاسرائيلية المتقاعدين في مختلف المدن الانغولية.
القاهرة: تجاوزت إسرائيل حدود تبادل السفراء والممثليات الدبلوماسية والتجارية في علاقتها بدول قارة إفريقيا، وكانت أنغولا في طليعة دول القارة السوداء التي حرصت تل ابيب على توطيد علاقتها السياسية والتجارية وربما العسكرية بها منذ فترة ليست بالقصيرة، حتى ان الملحق الاسبوعي لصحيفة هاآرتس العبرية افرد مساحة واسعة للحديث عن تلك العلاقات غير المعلنة، ودعم معطياته بأرقام واسماء شركات اسرائيلية لم يكن من المعروف سابقاً حجم تعاملاتها في هذا البلد الافريقي.
متوسط راتب العامل 1.200 دولاراً
تقرير الصحيفة العبرية المحسوبة على التيار اليساري في اسرائيل، كشف النقاب تحت عنوان عريض "إسرائيل الصغيرة في انغولا" عن أن ما يقرب من 200 الى 300 رجل اعمال إسرائيلي يعملون في انغولا في إطار شركات إسرائيلية مختلفة النشاط، جاء في طليعتها شركات استخراج الألماس، ومن بين هذه الشركات مؤسسة "كاتوكا"، التي لا يقل راتب العامل فيها عن 500 دولاراً شهرياً، بينما يبلغ متوسط رواتبها 1.200 دولاراً.
تمارس الشركة نشاطها منذ خمسة عشر عاماً في انغولا، وتهيمن إسرائيل على جزء من اسهمها، ويعمل فيها ما يقرب من 1.500 عامل، ويصل حجم ارباح الشركة الى ارقام فلكية، ورغم عدم امكانية الحصول على ارقام محددة لتلك الارباح بسبب السرية المفروضة على تعاملات الشركة، الا أن معدّ التقرير العبري "يوسي ملمان" اكد من خلال اتصالاته بعدد ليس بالقليل من رجال الاعمال في انغولا، ان الشركة التي يدور الحديث عنها استخرجت من باطن الارض خلال عام 2009 ما يربو على سبعة مليون قيراط من الألماس (القيراط وحدة وزن تضاهي 5 غرامات)، وتبلغ ارباح هذه الكمية 70 مليون دولاراً بعد تسديد الضرائب المفروضة عليها من قبل الحكومة.
ووفقاً لتقرير الصحيفة العبرية تشترك اربع جهات في مؤسسة "كاتوكا" في استخراج الألماس، تأتي في صدارتها شركة الألماس الحكومية الانغولية "أندياما" بنسبة 33%، ومؤسسة الألماس الروسية "أل – روسا" بنسبة 33%، وشركة الهندسة البرازيلية "أودربراخت" بنسبة 16%، ورجل الأعمال الاسرائيلي المتخصص في تجارة الألماس "ليف لفاييف" بنسبة 18% من خلال شركة "داومنتي المالية" اسرائيلية الهوية، الا انها مسجلة في الخارج لاسباب تتعلق بالجمارك.
توغل اسرائيلي في القارة السوداء
إذا كان رجل الاعمال الاسرائيلي "ليف لفاييف" هو طرف الخيط للوقوف على توغل اسرائيل في دول القارة السوداء، فيقيم الى جواره في انغولا عملاق عالم المال والاعمال الاسرائيلي "أركادي جايدماك"، ومن خلال خلاف نشب بين الرجلين تتكشف معطيات جديدة كانت حبيسة الادراج.
ووفقاً لمعلومات الملحق الاسبوعي لصحيفة هاآرتس العبرية، رفع رجل الاعمال الاسرائيلي "جايدماك" دعوى قضائية امام احدى محاكم مدينة لندن، يطالب فيها بالحصول على تعويض مالي قدره مليار دولار من نظيره وشريكه السابق الاسرائيلي "لفاييف".
جاء في الدعوى ان الاول الذي توسط في صفقة اسلحة بقيمة 800 مليون دولاراً لأنغولا في تسعينيات القرن الماضي، كان اول من فتح الطريق امام "لفاييف" لدخول سوق تجارة واستخراج الألماس في الدولة الافريقية التي يدور الحديث عنها، الا ان "لفاييف" انكر هذا الادعاء جملة وتفصيلاً.
وتشير المعلومات العبرية إلى ان علاقة رجل الاعمال الإسرائيلي "جايدماك" بالرئيس الانغولي "جوزيه إدواردو دو سانتوس" وعدد ليس بالقليل من قادة نظامه شهدت صعوداً وهبوطاً خلال الفترة الاخيرة، فبعدما برّأت احدى المحاكم الفرنسية جايدماك من تهمة تجارة السلاح غير الشرعية في انغولا، يسعى رجل الاعمال الاسرائيلي الى تحسين صورته لدى دوائر صنع القرار السياسي والعسكري لدى الدولة الإفريقية.
ووفقاً لما وصفته هاآرتس بتقديرات غير رسمية، يعمل في انغولا ما بين 200 الى 300 رجل اعمال اسرائيلي، ويعمل بعضهم مثل "لفاييف" ورجل جهاز الامن العام الاسرائيلي السابق "حاييم بورو" في تجارة ثقل واستخراج الألماس. اما بقية رجال الاعمال الاسرائيليين فيمثلون شركات أخرى تعمل في مجال الاتصالات، ومنها شركة "جيلات" الاسرائيلية، ونظيرتها "أشتروم" التي تعمل في مجال البناء والتشييد، وشركات اسرائيلية أخرى تعمل في مجال إزالة الالغام، والاستشارات الزراعية وغيرها.
كما يعمل في انغولا أيضًا العميد الإسرائيلي المتقاعد "زئيف زكرين"، الذي عكف على تدريب عناصر حرس رئاسة ديكتاتور الكونغو في تسعينيات القرن الماضي، ويدعي "زكرين" انه لا يقيم علاقة من اي نوع مع رجل الاعمال الاسرائيلي "جايدماك"، وان نشاطه في انغولا يقتصر حالياً على ادارة مزرعة يمتلكها هناك.
أكبر الشركات الإسرائيلية في انغولا
اكبر الشركات الإسرائيلية العاملة حالياً في انغولا هي شركة "أل آر"، التي تتخذ من مدينة هرتسليا الاسرائيلية مقراً رئيساً لها، ويمتلك تلك الشركة ويديرها ثلاثة طيارين متقاعدين في سلاح الجو الاسرائيلي، وهم "روعي بن عامي"، "إيتان ستيفا"، و"عامي لوستيج"، وباعت الشركة التي يدور الحديث عنها في بداية خطوات عملها اسلحة ومعدات عسكرية لأنغولا مثل أجهزة رادار جوية، وطائرات بدون طيار، ومروحيات وغيرها من معدات عسكرية متطورة.
وبحسب تقرير صحيفة هاآرتس، كانت الحكومة الانغولية بقيادة حزب السلطة الاشتراكية mpla (الحركة الشعبية لتحرير انغولا) ورئيسها في حاجة ماسة الى كميات كبيرة من الاسلحة في بداية تسعينيات القرن الماضي لمحاربة خصمها "الاتحاد القومي من اجل تحرير انغولا" الذي يقوده الدكتور "جوناس سويمبي"، لهذا السبب استعانت الحكومة الانغولية برجل الاعمال الاسرائيلي "جايدماك"، وبشركة "أل آر"، وبهيئة الصناعات العسكرية الاسرائيلية، واشترت من الاخيرة اسلحة خفيفة تمكن قواتها من الحيلولة دون سقوط لواندا في ايدي وحدات سويمبي.
إلى ذلك كانت الحرب الاهلية في انغولا قد بدأت عام 1975 فور نهاية الحكم البرتغالي للبلاد، واستمرت رحى هذه الحرب دائرة لمدة 27 عاماً، وشارك فيها ثلاث قوى رئيسة، وفي ذروة الحرب كانت هناك جبهة اخرى تعد من بقايا الحرب الباردة، اذ أيّد الاتحاد السوفييتي السابق وكوبا حزب "mpla"، بينما ايدت الاستخبارات الاميركية وجنوب افريقيا وزائير واسرائيل مجموعة قتالية او جبهة صغيرة يقودها "هولدان روبرتو"، وحصدت الحرب ارواح الالاف من الانغوليين، واصيب فيها الملايين، كما دُمّرت كل شبكات البنى التحتية في البلاد، وانتهت المعارك في شباط/ فبراير عام 2002 بمقتل سويمبي في الحرب.
ودارت احدى الروايات في حينه بحسب الصحيفة العبرية حول ان قوات الحكومة الانغولية اعتقلت آنذاك سويمبي، وان تعقب أثر المكان الذي كان يختبئ فيه تم من خلال معدات استخباراتية اسرائيلية، الا ان الحقيقة بحسب الصحيفة نفسها تخالف ذلك، إذ ان الجيش الانغولي استعان بالفعل بطائرات بدون طيار من انتاج شركة "إيرو ناوتكس"، وتم تزويدها إلى أنغولا عن طريق شركة "أل آر" الاسرائيلية، الا ان هذه المعدات لم تتقف أثر سويمبي، وانما تم اعتقاله واغتياله من خلال عملاء الحكومة الانغولية في البلاد.
عمليات تهريب الألماس
في ما يتعلق بالطائرات الصغيرة وأجهزة الرادار الجوي والمعدات التي كانت اسرائيل طرفاً في وصولها لأنغولا، فاعتمدت عليها الاخيرة في كشف عمليات تهريب الألماس خارج البلاد، على الرغم من ان عدداً كبيراً من رجال الاعمال الاسرائيليين قد شاركوا بشكل مباشر في عمليات التهريب التي يدور الحديث حولها.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة العبرية عن مصدر وصفته بأحد الكوادر الضالعة في صفقات الاسلحة الاسرائيلية لأنغولا، فقد باعت شركات إسرائيلية أسلحة وعتادا عسكريا لانغولا خلال العقدين الماضيين بما قيمته 300 مليون دولار، وان جزءاً من هذا المبلغ تنازلت عنه اسرائيل مقابل السماح انغولا للصناعات الجوية الاسرائيلية بتصوير مناطق في انغولا عبر القمر الصناعي الإسرائيلي "إيمدج سات".
ووفقا للدكتورة "تمر جولان" اول سفير اسرائيلي في انغولا، لم تتوقف المساعدات الامنية الاسرائيلية لأنغولا، وان كانت تقتصر في كثير من الاحيان على تدريب طيارين عسكريين وكوادر الشرطة والجيش، وفي حين لم تعد انغولا تكترث بصفقات الاسلحة الاسرائيلية، تكثف جهودها في الوقت الراهن على تمرير الصفقات المدنية، إذ تشتري اسرائيل نفطاً منها بما قيمته 300 مليون دولاراً سنوياً، او بعبارة أخرى 15 الف برميل نفط في اليوم الواحد، وهو ما يشكل 7% من قيمة انتاج النفط في انغولا يومياً.
الى ذلك وبحسب معلومات الصحيفة العبرية، تطالب دوائر حكومية في انغولا بإبرام اتفاقيات أمنية وعسكرية مع اسرائيل، ووفقاً لما نقلته هاآرتس عن هؤلاء المسؤولين: "نرغب في ابرام اتفاقات أمنية مع تل ابيب، كالتي ابرمناها مع الولايات المتحدة واسبانيا، حتى لا نعتمد على الشركات الاسرائيلية الخاصة العاملة في هذا المجال".
المصدر منتديات القوميون الجدد