أكاذيب أوباما في الحرب ضد "داعش"بقلم ... عامر راشد
رأى كاتب صحفي عربي أن القصف الجوي الأميركي لمواقع مقاتلي "داعش" في شمال العراق ليس صحوة ضمير، بل محاولة بائسة للتغطية على جرائم الولايات المتحدة بحق العراقيين جميعاً
بعد طول تردد قرر أخيراً الرئيس الأميركي باراك أوباما إعطاء أوامره لتنفيذ ضربات جوية ضد قواعد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، محدودة ومحددة- على حد وصف أوباما، وخطها الأحمر منع تقدم جحافل (داعش) نحو أربيل في كردستان العراق.
أوباما علل خطوته بالدفاع عن المواطنين الأميركيين في العراق أولاً، ومنع الجرائم التي يرتكبها تنظيم (داعش) بحق أبناء الأقليات هناك، ومحاربة خطر تمدد الإرهاب المتطرف بالمنطقة، الذي بات يهدد الاستقرار فيها والسلم والأمن العالمي ككل.
ولم يوفر الرئيس الأميركي جهداً لإظهار إدارته بمظهر الحريصة على دماء العراقيين، لاسيما الأقليات الدينية والعرقية، واستعداد واشنطن لمساعدة العراق في مواجهة (داعش)، مع حفاظ إدارة أوباما على خطوط رجعة، بتأكيدها أنها لن تتورط في تدخل عسكري واسع النطاق في العراق، ولن ترسل قوات برية، وأن المهمة الرئيسية تقع على عاتق العراقيين أنفسهم، بوحدتهم ضد التطرف والإرهاب، وتشكيل حكومة توافق وطني يشارك فيها الجميع وتلبي مصالحهم.
الطريف في الأمر، أوباما تعامل في خطابه وكأن لأبناء العراق ذاكرة كذاكرة السمك، بإغفاله جرائم الاحتلال الأميركي في العراق، ومسؤولية سلطة الاحتلال عن حل الجيش العراقي وتفكيك بنية الدولة، واختلاق نظام سياسي يقوم على أساس المحاصصة الطائفية والإثنية، أطلق العنان لصراع مفتعل بين هويات فرعية بين (أقليات وأكثريات)، ونضع المصطلحين بين قوسين لأنهما لا يعبران عن الموروث الثقافي- المجتمعي العراقي، عمل الاحتلال الأميركي على تحويل هذا الصراع إلى معول هدم للمجتمع العراقي الموحد.
لا حاجة لتذكير الرئيس أوباما بأن العراقيين لم ينسوا، ولن ينسوا يوماً، الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الأميركي بالتحالف مع بريطانيا، فهم ما زالوا يدفعون حتى اليوم ثمناً باهظاً لها، دماً وتهجيراً وحرماناً ومعاناة إنسانية، جراء النزعة العدوانية الإجرامية لإدارة المحافظين الجدد برئاسة بوش الابن، تحت عباءة مشروع "إعادة بناء شرق أوسط جديد" يدور في فلك السياسات الأميركية.
ولا حاجة لتذكير أوباما بأن الولايات المتحدة الأميركية هي من خلقت الإرهاب والتطرف ورعته، بإنشائها لتنظيم "القاعدة" الإرهابي في أفغانستان ثمانينيات القرن الماضي، كأداة من أدوات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، وقدمت لـ"القاعدة" المال والسلاح، وكل أشكال الدعم المادي واللوجستي، إلى أن انقلب السحر على الساحر في اتهامات إدارة بوش لتنظيم "القاعدة" بأنه وراء جريمة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 في نيويورك.
لكن واشنطن لم تتوقف عن لعبة صناعة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، حيث نسب إلى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، اعترافها في كتابها "خيارات صعبة" بأن الولايات المتحدة أنشأت تنظيم (داعش) لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، وبمد المخطط الأميركي المفترض إلى نهايته فإن التقسيم يجب أن يكون على أساس ديني ومذهبي وطائفي وإثني، لتفكيك المجتمعات العربية وإنهاكها بحروب أهلية دموية، المستفيد منها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب وإسرائيل، وينطوي المشروع على تحويل دول المشرق العربي إلى أربعة عشرة كياناً، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية خارطة مفترضة لهذه الكيانات، في الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر) 2013، تحت عنوان بالغ الدلالة: "كيف يمكن لخمسة بلدان أن تصبح 14 بلداً".
إدارة أوباما لم ترد على ما نسب للوزيرة السابقة والمرشحة المحتملة بقوة للانتخابات الرئاسية القادمة هيلاري كلينتون، ولم يصدر أي تكذيب من قبل كلينتون، وليس ثمة ما يمكن الدفع به لافتراض عدم صدق ادعاء كلينتون أو ضعفه، فالعقلية السياسية الأميركية، التي راهنت على إنشاء تنظيم "القاعدة" في ثمانينيات القرن الماضي، مازالت تجد في المنظمات الإرهابية المتطرفة أداة تستطيع أن تحقق من خلالها ما لا تستطيع تحقيقه بالتدخلات العسكرية، أو بالضغوط السياسية والاقتصادية.
إلا أن إدارة أوباما ما فتئت تذرف دموع التماسيح على العراق والعراقيين، دون إبداء استعداد لمراجعة مسؤولية الولايات المتحدة عن ما وصل إليه شعب العراق من أوضاع مأساوية، والأنكى من ذلك أنها لم تغادر سياسة صناعة الجماعات الإرهابية المتطرفة ودعمها، باعتراف هيلاري كلينتون. كمن يصنع الخنجر المسموم ويتبرأ من الضحايا الذين يستهدفهم.
وبقراءة معمقة لخطوط الرجعة التي حرص الرئيس أوباما على تضمينها لخطابه حول توجيه ضربات جوية لقواعد تنظيم (داعش) في شمال العراق، محدودة ومحددة، من الواضح أن واشنطن لا تسعى إلى خوض معركة كسر عظم مع (داعش)، بل توجيه ضربات محدودة التأثير لحفظ ماء وجهها، ومن غير المستبعد أن تكون اعترافات هيلاري كلينتون قد عجلت في توجيه هذه الضربات، بالإضافة إلى حاجة واشنطن للمحافظة على نفوذها وعلاقاتها مع القوى السياسية المهيمنة في المشهد العراقي.
رغم ما سبق، يسجل للرئيس أوباما إقراره بأن الحل بيد العراقيين وحدهم، وأن لا أحد يستطيع مساعدة العراقيين في مواجهة الإرهاب ما داموا منقسمين على أنفسهم. غير أن مثل هكذا إقرار لا يعبر عن رغبة واشنطن في تحمل مسؤولياتها تجاه الجرائم التي ارتكبتها إدارة بوش الابن في العراق، ولا يؤكد أن إدارة أوباما بعيدة عن استخدام الأدوات والأساليب ذاتها التي استخدمتها الإدارات السابقة، منذ إدارة رولاند ريغان، بالاعتماد على تفريخ الجماعات الإرهابية المتطرفة كأدوات أميركية.
وإلى أن يثبت العكس، تظل بكائيات أوباما على العراق وشعبه، وخاصة الأقليات، كذباً مكشوفاً، وحدود التدخل العسكري يمليها الحفاظ على ميزان القوى الذي تريده واشنطن بين المتحاربين في العراق، كي تستمر المواجهات العسكرية المفتوحة، وصولاً إلى إنهاك جميع الأطراف المتصارعة. ولن يخرج العراق من دوامة العنف والدم سوى حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها الأولى، إلى جانب البرلمان، إعادة بناء نظام سياسي جديد على أسس بعيدة عن المحاصصة الطائفية، وتحفظ حقوق المواطنة والمساواة بقطع النظر عن الديانة أو الطائفة أو المذهب أو العرق، وهذا كفيل بإعادة اللحمة للمجتمع العراقي بمختلف مشاربه ومنابته، وقطع دابر الإرهاب المتطرف بتجفيف منابعه.
منتديات القوميون الجدد