عيد أضحى مضرج بالدماء.... بقلم الكاتب عامر راشد
أسمى ما في قصة فداء إسماعيل عليه السلام حفظ النفس البشرية، قيمة سامية ما أحوجنا لها اليوم لحقن دماء الأبرياء في العديد من البلدان العربية.
الدعوات المتكررة في الأيام القليلة الماضية لوقف القتل والعنف بمناسبة عيد الأضحى المبارك، لم تجد آذاناً صاغية، ومما يدعو للحزن العميق يحل عيد آخر على البشرية تلفه المآسي في العديد من البلدان العربية على وقع استمرار شلالات الدم المسفوك، والخوف من قادم قد يكون أسوأ في مجاهيله، بتعاظم محذور تحول الصراعات النازفة إلى حروب طائفية ومذهبية وهوياتية عرقية مفتوحة ومتدحرجة، ككرة من نار، في ظل غياب حلول -والأصح تغييب متعمد- سياسية ديمقراطية تحفظ وحدة المجتمعات وسيادة بلدانها، وتعلي قيم حقوق المواطنة وتحترم حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقه في الحياة.
هدنة إنسانية ولو لأيام قليليه، مطلب عقد المواطنون السوريون والعراقيون الليبيون واليمنيون الأمل على أن يتحقق، ليتنفس الجميع الصعداء في هذه الأيام المباركة، وتوفير فرصة لأطراف الأزمات لمراجعة الذات والسياسات والمواقف، والاستجابة لنداء العقل بالجنوح نحو تسويات سياسية للصراعات ونبذ الحلول العسكرية والأمنية والإرهاب والتطرف الذي يشوِّه قيم الدين الإسلامي وتعاليمه السمحاء، غير أن المنخرطين في دائرة الموت والعنف شاءوا البقاء حتى الآن في دوامة موت ودمار وخراب وتهجير الجميع فيها خاسر.
في سورية دخل الصراع الدامي منعطفاً أشد خطورة، بشن التحالف الأميركي- الدولي- الإقليمي حرباً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش)، دون قرار من الأمم المتحدة أو أجندات أو أهداف واضحة، مما يثير مخاوف كبيرة من تتحول هذه الحرب إلى بوابة لحرب أوسع وأشمل، غطاؤها مواجهة تنظيم (داعش) المتطرف، بينما أهدافها غير المعلنة استخدام الأراضي السورية كمنصة انطلاق لمشاريع تفتيت جغرافيا المنطقة، ورسم خريطة جديدة تتوافق مع سياسات الهيمنة الأميركية والأوروبية الغربية، وأطماعها التاريخية في بلدان المشرق العربي على وجه الخصوص.
ورغم اعتراف الجميع، بمن فيهم أطراف الأزمة السورية والرئيس الأميركي باراك أوباما وأركان إدارته والقادة السياسيين والعسكريين في دول حلف (الناتو)، بأن الحل العسكري غير ممكن في سورية، إلا أن البعض مازال يراهن على حلول عسكرية وأمنية جرِّبت وثبت فشلها، وأوقعت مئات آلاف الضحايا، وشرَّت الملايين، وهدَّمت البنية التحتية والخدمية في البلاد، ومما أدت إليه اختلاق نعرات طائفية، هجينة على ثقافة الشعب السوري وقيمه الدينية والمجتمعية والحضارية.
وفي العراق، الصورة ليست أقل بؤساً وتعقيداً كما يدعي أوباما وأركان إدارته، فالجولة الأخيرة من الحرب المتواصلة، والتي كان تنظيم (داعش) من الفاعلين الرئيسيين في مجرياتها، لا يجوز نزعها من سياق تداعيات الحرب الأميركية على العراق واحتلاله، حيث فككت سلطة الاحتلال الدولة العراقية وجيشها، وفرض نظاماً سياسياً جديداً مشوهاً يقوم على المحاصصة الطائفية والإثنية، دفع العراقيون ثمنه غالياً في الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، وهدر الثروات الوطنية، وإفساح المجال للتدخلات الخارجية السلبية في الشأن الداخلي العراقي.
ولن ينقذ العراق من براثن الصراع الدامي سوى توافق وطني على نظام سياسي جديد، تنتفي منه كل مظاهر المحاصصة الطائفية والإثنية، ووحدة كل العراقيين في محاربة التطرف بكل أشكاله ومظاهره، التي لا تقتصر على تنظيم (داعش) وحده.
اليمن بدوه انضم في الأيام القليلة الماضية إلى دائرة الأزمات المتصاعدة، بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتعثر مبادرة التسوية التي يعمل عليها المبعوث الأممي جمال بن عمر، وعودة الدعوات الانفصالية للطفو على السطح، وعدم استبعاد تداعيات إقليمية كبيرة في حال خروج الصراع اليمني الداخلي عن نطاق السيطرة والاحتواء.
ويتمثل أحد جوانب خطورة الوضع اليمني في البعد الطائفي الذي بدأ يأخذه منحى الصراع القائم، بما سيؤثر على أوضاع منطقة الخليج والمشرق العربي برمتها، وسط ردود أفعال دون مستوى المسؤولية من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الملفات اليمنية.
الليبيون لم يكونوا أفضل حالاً، بمناسبة عيد الأضحى، من أشقائهم السوريين والعراقيين واليمنيين، حيث قادت الأخطاء المتراكمة في العملية السياسية، وفشل القادة في معالجة العقبات، إلى ثنائية تناحرية في السلطة، واقتتال بين حلفاء الأمس أو من يفترض أنهم حلفاء، مع تنامي مؤشرات تدخل عسكري خارجي واسع وتهديد أمن واستقرار دول الجوار.
الفلسطينيون واللبنانيون والصوماليون والبحرانيون كان لهم أيضاً نصيبهم من خيبة الأمل بأن يحمل عيد الأضحى، هذا العام، بارقة أمل في مستقبل أفضل، بتحقيق مصالحات وطنية داخلية، تعطي للفلسطينيين ما يلزمهم من قوة ومنعة في معركتهم من أجل حقهم في الاستقلال وتقرير المصير، وتحقق للبنانيين والصوماليين والبحرانيين الأمن والاستقرار والتوافق المجتمعي تحت سقف دولة قانون تحترم حقوق المواطنة والديمقراطية والتعددية.
وبعيداً عن دائرة الصراعات الساخنة تعيش معظم المجتمعات العربية والإسلامية أزمات طاحنة، من تناقضات سياسية ومجتمعية، وفقر وتهميش وبطالة وضعف واختلالات في التنمية السياسية والاقتصادية والبشرية- المجتمعية، تضع بلدانها في خانة البلدان المرشحة لانتكاسات سلبية كبيرة.
عيد حزين آخر يلقي بثقله على كاهل الشعوب العربية، بدل أن يكون نافذة أمل وتسامح، فأسمى ما في قصة فداء إسماعيل عليه السلام، التي يحتفي بها المسلمون في عيد الأضحى المبارك، حفظ النفس البشرية.. قيمة سامية ما أحوجنا لها اليوم لحقن دماء الأبرياء في العديد من البلدان العربية، ولمنع أي إساءة لقيم الدين الإسلامي الحنيف والأديان الأخرى، واحترام إنسانية الإنسان وحقه في حياة كريمة.
منتديات القوميون الجدد