بسم الله الرحمن الرحيم
رُهاب الكتب العلمية المنهجية آفةٌ دبَّت بين الطُّلاب, وأفسدت كثيرين ممَّن انتسبوا إلى طلب العلم, فكان النأي والهرب منها إلى ما يداعب الخاطر ويُطْرِب الذِّهن من قصةٍ وفائدةٍ ومُلْحَةٍ, مما لا يُنظم في عقد تعليم, أو يَجمعُ شتاتَها سِلكٌ منهجي يتدرج فيه الطَّالب في مدارج العلم.
وإذا أمعنت النَّظر في آحاد المنتسبين إلى الطَّلب وجدت أمامَ أعينهم أسواراً قد بُنيت لتصير سدوداً هائلة, مُهمَّتُها الصدُّ عن الوصول إلى حقيقة العلم وبلوغ ملكته.
يشعل فتيل رهاب الكتب العلمية ظنون خاطئة يعتقدها الطَّالب, فمنها:
1- طموحه الزائد في رؤية نفسه جواداً مسرجاً, يعدو في مرابع الكتب بلا إشكال أو عقبات, أو طلب إيضاح لاصطلاح.
2- الاعتقاد بأنَّ العقبات والإشكالات إنَّما جمعت له, وأنَّ كلَّ الطُّلاب والعلماء يفهمون كلَّ مواطن الكتب الصَّعبة, ويتصورون الإشكالات العقلية والذهنية.
3- تصوره أن على المطلع أن يتصور جميع المسائل تصوراً كاملاً من أول قراءة واطِّلاع على الفنِّ.
4- عدم التَّفرقة بين كتب الجرد وكتب الحفظ والتَّأمل.
ولدفع الرهاب كان لا بدَّ من:
1- الصَّبر والاعتياد:
فإنه لا بدَّ من الاعتياد على هذه اللغة. فلغتها فعلاً قوية وبها مصطلحات جديدة على المتعلم, فإذا وطَّن الطَّالب نفسه وتصبَّر اعتاده, فإتمام كتاب عميق المعنى جذل المبنى حسنةٌ تتلوها حسنة, وترفع عن القلب رهاب الكتب, وخوف عدم الفهم, فبالصبر والعزيمة تتيسر كثير من الأمور الصعبة.
ومما يحدو بالطَّالب للصبر على هذه الكتب أن يعلم أن فيها ترويضاً للذهن وشحذاً له, خاصة ما قصد به ذلك.
وقد أشار إلى ذلك الفخر الرازي رحمه الله في "وصيته" قبل وفاته, وجاء فيها:
(وأما الكتب العلمية التي صنفتها أو استكثرت من إيراد السؤالات على المتقدمين فيها، فمن نَظَر في شيء منها فإنْ طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه، على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيء؛ فإني ما أردت إلا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر، واعتمادي فيه على اللّه تعالى)[1].
2- التَّدرج المنهجي:
فيبدأ بالسَّهل منها نحو الصعب, ويترقى من الإجمال إلى التفصيل, ومن التَّصور إلى التَّصديق, فإنَّ فعل أُعينَ على فهمها.
3- التَّلقي على المعلم:
فبه تفتح مغاليق أبواب الفهم, ويستنير عقل الطَّالب ويتسع أفقه, ويحصل له الفهم الصحيح لكلام العلماء.